يحكم بها النبيون، وكذا كان حالها ثم غيرت حين بدل أهلها كما قال تعالى:{تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}[الأنعام: ٩١] ومع تغيرهم لها وتبديلهم فيها لا يتميز الحق من الباطل فوجب العدول عنها وأما إحضاره التوراة عند رجم اليهوديين، فلأنه حين حكم عليها بالرجم أخبر اليهود أن في التوراة فأنكروه فأمره بإحضارها لتكذيبهم، فلما حضرت ترك ابن صوريا وهو أحد أحبارهم يده على ذكر الرجم، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برفع يد، فإذا آية الرجم تلوح فكان إحضارها رد لإنكارهم وإظهار لتكذيبهم، لا لأن يحكم بها عليهم لأنه قد حكم بالرجم قبل حضورها، والله أعلم.
قال في الحاوي: قد مضى ما قررناه من وجوب الحكم بين أهل الذمة أو جوازه فإذا ترافع زوجان في عقد نكاح فهو كترافعهما في غيره من عقود البيع والإجازات، وإنما خص الشافعي ترافعهما في عقد النكاح لأنه في كتاب النكاح ولأن فروعه أكثر فإذا ترافعا فيه فعلى ضربين:
أحدهما: أن يترافعا في استدامة عقد قد مضى فليس للحاكم أن يكشف عن حال العقد ولا يعتبر فيه شروط الإسلام وينظر فإن كانت الزوجة ممن تجوز له عند التحاكم أن يستأنف العقد عليها جاز أن يقرهما على ما تقدم من عقدها. سواء كان بولي أو شهود أم لا إذا رأوا ما عقدوه نكاحًا في دينهم وإن كانت ممن لا يجوز أن يستأنف العقد عليها عند الترافع إلينا لكونها في ذوات المحارم والمحرمات أو بقية عدة من زوج آخر حكم بإبطال النكاح ويكون حالها عند الترافع إلى الحاكم كحالهما لو أسلما فما جاز إقرارها عليه من النكاح بعد إسلامها جاز إقرارهما عليه عند ترافعهما إلى حاكمنا وما لم يجز الإقرار عليه بعد الإسلام لم يجز الإقرار عليه عند الترافع إلى الحاكم.
فصل:
والضرب الثاني: أن يترافعا إلى حاكمنا في ابتداء عقد يسأنفه بينهما فعلى الحاكم أن يعقده بينهما على الشرو المعتبرة في الإسلام بولي وشهود لقول الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩] وإنما جاز أن يمضي في مناكحهم في الشرك وإن لم تكن على شروط الإسلام ولا يجوز أن يستأنفها في الإسلام إلا على شروطه لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨] ولأن في اعتبار