وفساد الصداق لا يوجب فساد النكاح فصار مخالفًا لمالك في الحكم موافقًا له في معنى النهي.
وبه قال الزهري والثوري استدلاًلا بأن النهي متوجه إلى الصداق لأنه لو قال كل واحد منهما: قد زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك كان النكاح جائزًا وإنما أبطله إذا قال: على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى فدل على أن النهي توجه إلى الصداق وفساده لا يوجب فساد النكاح كما لو تزوجها على صداق من خمر أو خنزير ولأنه لو قال: قد زوجتك بنتي على أن صداقها طلاق امرأتك صح النكاح وإن جعل الصداق بضِع زوجته فكذلك في مسألتنا قالوا: ولأنكم جوزتم النكاح إذا سمي لهما أو لأحدهما صداقًا فكذلك وإن لم يسميه لأن ترك الصداق في العقد الصحيح لا يوجب فساده كما أن ذكره في العقد الفاسد لا يوجب صحته.
ودليلنا ما قدمناه من نهي النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عندنا يقتضي فساد المنهي عنه ما لم يصرف عن دليل.
فإن قالوا: قد فسد بالنهي ما توجه إليه وهو الصداق دون النكاح فعنه جوابان:
أحدهما: أن النهي إلى النكاح ما رواه نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن نكاح الشغار".
والثاني: أنه يجمل على عموم الأمرين.
فإن قالوا: إنما سمي شغارًا لخلوه من صداق ونحن لا نخليه لأننا نوجب فيه صداق المثل فامتنع أن يكون شغارًا.
قيل: هذا فاسد لأنه ليس يمنع ما أوجبتموه من الصداق بعد العقد من أن يكون نكاح الشغار ووقت العقد قد توجه النهي إليه فاقتضى فساده.
ومن طريق القياس ما ذكره الشافعي في التقديم أنه عقد فيه مثنوية ومعناه: أنه ملك الزوج بضع بنته بالنكاح أو ارتجعه منه بأن جعله ملكًا لبنت الزوج بالصداق وهذا موجب لفساد النكاح كما لو قال: زوجتك بنتي على أن يكون بضعها ملكًا لفلان كن النكاح فاسدًا بإجماع كذلك هذا بالحجاج وتحريره: أنه جعل المقصود لغير المعقود له فوجب أن يبطل قياسًا على ما ذكرناه من قوله: زوجتك بنتي على أن يكون بضعها لفلان ولأن جعل المعقود عليه معقودًا به فوجب أن يكون باطًلا كما لو زوج بنته بعبد على أن تكون رقبته صداقها ولأن العين الواحدة إذا جعلت عوضًا ومعوضًا فإذا بطل أن تكون عوضًا بطل أن تكون معوضًا كالثمن والمثمن في البيع وهو أن يقول: قد بعتك عبدي بألف على أن يكون ثمنًا لبيع دارك علي.
فأما الجواب عن استدلالهم بأن الفساد في الصداق لأنه لو قال: قد زوجتك بنتي