قال علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وقال أبو الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح: للزوجة أن تفسخ بهذه العيوب في الزوج وليس للزوج أن يفسخ بها؛ لأن الطلاق بيده واستدل من نص قول أبي حنيفة بأن المعقود عليه في النكاح هو الاستباحة وليس في الاستباحة عيب وإنما العيب في المستبيحة فلم يشتبه خيار إسلامه المعقود عليه قال: ولأنه عيب في المنكوحه فلم يفسخ نكاحها قياسًا على ما سوى العيوب الخمسة قال: ولأن كل عقد لم يفسخ بنقصان الأجزاء لم يفسخ بتغير الصفات كالهبة طردًا والبيوع عكسًا. قال: ولأن عقد النكاح إن جرى مجرى عقود المعاوضات كالبيوع وجب أن يفسخ بكل عيب وإن جرى مجرى غيرها من عقود الهبات والصلات وجب أن لا يفسخ بعيب وفي إجماع على أن لا يفسخ لكل العيوب دليل على أنه لا يفسخ بشيء من العيوب.
ودليلنا: ما رواه عبد الله بن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج امرأة من بني بياضة فوجد بكشحها بياضًا فردها وقال: ولستم عليَّ. ووجه الدليل منه هو أنه لما نقل العيب والرد وجب أن يكون الرد لأجل العيب فإن قيل: فيحمل على أنه طلقها لأجل العيب كالتي قالت له حين تزوجها أعوذ بالله منك فقال: "لقد استعذتي بمعاذ حق بأهلك" فكان ذلك طلاقًا منه لأجل استعاذتها منه قيل لا يصح هذا التأويل من وجهين:
أحدهما: لأنه خالف الظاهر لأن نقل الحكم مع السبب يقتضي تعلقه به كتعلق الحكم بالعلة والطلاق لا يتعلق بالعيب كتعلق بالعلة وإن كان داعيًا إليه فلم يصح حمله عليه وخالف حال طلاقه للمستعيذة لأن الاستعاذة ليست عيباً يوجب الرد فعدل به إلى الطلاق.
والثاني: أن الرد صريح في الفسخ وكناية في الطلاق وحمل اللفظ على ما هو صريح فيه.
وروى أبو جعفر المنصور عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجتنبوا من النكاح أربعة: الجنون والجذام والبرص والقرن" فدل تخصيصه لهذه الأربعة من عيوب النكاح على اختصاصها بالفسخ.
ومن طريق القياس: هو أنه عيب يمنع غالب المقصود بالعقد فجاز أن يثبت به خيار الفسخ كالجب ولا يدخل عليه الصغر والمرض لأنهما ليسا بعيب ولأن العقد الذي يلزم من الجهتين إذا احتمل الفسخ وجب أن يجري الفسخ في جنس العقد ولأنه عيب مقصود بعقد النكاح فوجب أن يستحق الفسخ كالعيب في الصداق ولأن كل من ملك رد عوض ملك عليه رد المعوض كالثمن والمثمن في البيع.