للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن بيعها طلاق لها وكذلك عتقها ولا نعرف قائلًا به من التابعين إلا مجاهد استدلالًا بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] إلى قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] فحرم من ذوات الأزواج إلا أن يملكه فيحلله للمالك وهذه قد ملكت بالابتياع فوجب أن تحل لمالكها ولأنه لما حلت ذات الزوج بالسبي لحدوث ملك السابي وجب أن تحل بالشراء لحدوث ملك المشتري. والدليل على ثبوت النكاح أن بريرة أعتقت تحت زوج فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاحه فلو كان نكاحها قد بطل بعتقها لأخبرها ولم يخيرها فيه ولأن عقد النكاح أثبت من عقد الإجارة لدوامه فلما لم يبطل عقد الإجارة بالعتق والبيع فأولى أن لا يبطل بهما عقد النكاح ولأنه لما كان بيع الزوج وعتقه لا يوجب بطلان نكاحه كذلك بيع الزوجة وعتقها لا يوجب بطلان نكاحها ولأن المشتري ملك عن البائع على الصفة التي كان البائع مالكها فلما كان النكاح مقرًا على ملك البائع كان مقرًا على ملك المشتري فأما الآية فواردة في السبايا.

وأما الاستدلال بالسبايا فالفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أن السبي لما أبطل الحرية التي هي أقوى كان بأن يبطل النكاح أولى وليس كذلك البيع والعتق.

والثاني: أن السبي قد أحدث حجرًا فجاز أن يبطل به ما تقدم من نكاحها وليس كذلك البيع والعتق.

فصل:

فإذا ثبت أن النكاح بحاله فعلى المشتري إقرار الزوج على نكاحه وله الخيار في فسخ البيع إن لم يكن عالمًا بنكاحه لتفويت بضعها عليه.

مسألة:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عَبْداً. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْداً يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيث بُرَيْرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بُرِيرَةَ مُغِيثاً؟ " فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ رَاجَعْتِهِ فَإِنَّمَا هُوَ أَبُو وَلَدِكِ" فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله بَأَمْرِكَ؟ قَال: "إِنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ" قَالَتْ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَبْداً. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَا يُشْبِهُ العَبْدُ الحُرَّ؛ لأَنَّ العَبْدَ لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ، وَلأَنَّ لِلسَّيِّد إِخْرَاجَهُ عَنْهَا وَمَنْعَهُ مِنْهَا وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لِوَلَدِهَا وَلَا وِلَايَةَ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا".

قال في الحاوي: أما إذا أعتقت الأمة تحت زوج وكان عبدًا فلها الخيار في فسخ نكاحه لكماله ونقصه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: "ملكت نفسك فاختاري".

<<  <  ج: ص:  >  >>