والجواب عن هذا الاستعمال من وجهين:
أحدهما: أنه تأويل يبطل بخبرين:
أحد الخبرين: أن أسامة روى عن القاسم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: "إن شئت أن تستقري تحت هذا العبد وإن شئت فارقتيه" فيقال: إنه كان في وقت التخيير عبدًا.
والخبر الثاني: ما رواه هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة أنه كان عبدًا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها، ولو كان حرًا لم يخيرها.
والثاني: أننا نقابل هذا الاستعمال بمثله من وجهين:
أحدهما: أنه كان حرًا قبل السبي وعبدًا بعد السبي عند العقد والتخيير.
والثاني: أنه كان عبدًا وقت العتق وحرًا وقت التخيير فتكون لها الخيار في أحد المذهبين ويدل على صحة ما ذهبنا إليه أيضًا ما رواه ابن موهب عن القاسم عن عائشة أنه كان غلام وجارية، فأرادت عتقهما فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابدأي بالغلام" فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم عتق الزوج إلا لفائدة ولا فائدة إلا سقوط خيار الزوجة على أنه قد روى أنه قال لها: "ابدأي بالغلام لأن لا يكون للزوجة خيار فكان هذا نصًا صريحًا.
ويدل عليه عن طريق القياس: أنها كافأت زوجها في الفضيلة فوجب أن لا يثبت لها بذلك خيار كما لو أسلمت تحت مسلم أو أفاقت من جنون تحت عاقل، ولأن ما لم يثبت به الخيار في ابتداء النكاح لم يثبت به الخيار في أثناء النكاح كالعمى طردًا وكالجب عكسًا ولأن ما لزم من عقود المعاوضات لم يثبت فيه من غير عيب خيار كالبيع.
فأما الجواب عن استدلالهم بقوله: قد ملكت بضعك فاختاري فهو أن هذا اللفظ ما نقله غيرهم ولا وجد إلا في كتبهم ثم يكون معناه قد ملكت نفسك تحت العبد فاختاري فلم يكن لها أن تختار نفسها تحت الحر.
وأما قياسهم على الزوج إذا كان عبدًا فالمعنى فيه نقصه بالرق عم كمالها بالحرية فذلك كان عيبًا يوجب الخيار وليس كذلك عتقها مع الحر.
وأما استدلالهم بأنه قد ملك عليها بضعها. بمهر ملكه غيرها فلا تأثير لهذا المعنى واستحقاق الخيار لأنها لو كانت مكاتبة وقت العقد فملكت مهرها ثم أعتقت كان لها الخيار فبطل أن يكون استحقاقه لهذه العلة وبطل أن يكون العلة لأنها قد ملكت بالعتق ما ملك عليها في الرق لأنها لو أوجرت ثم عتقت لم يكن لها في فسخ الإجارة خيار فلم يصح التعليل بواحد من الأمرين فبطل الاستدلال.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "فَلِهَذَا، وَاللهُ أَعْلَمُ- كَانَ لَهَا الخِيَارُ إِذَا أُعْتِقَتْ