والثاني: أن من ذكرنا أخص بعائشة من الأسود، ولأن عروة بن الزبير هو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر والقاسم بن محمد هو ابن أخيها محمد هو ابن أخيها محمد بن أبي بكر، وعمرة بنت عبد الرحمن بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر، فهم من أهلها يستمعون كلاهما مشاهدة من غير حجاب والأسود أجنبي لا يسمع كلاهما إلا من وراء حجاب فكانت روايتهم أولى من روايته.
والثالث: أن نقل العبودية يفيد على الحكم ونقل الحرية لا يفيدها لأن أحدًا لا يجعل حرية الزوج علة في ثبوت الخيار والعبودية يجعله علة في ثبوت الخيار فكانت رواية العبودية أولى.
والرابع: أن قد وافق عائشة في رواية العبودية صحابيان: ابن عمر وابن عباس وما رافقهما في رواية الحرية أحد أما ابن عمر فروى أنه كان عبدًا وأما ابن عباس فروى عنه خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان زوج بريرة عبدًا أسود يقال له مغيث كأني أراه يطوف خلفها بالمدينة ودموعه تسيل على لحيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: ألا تعجب من شدة حب مغيث بريرة، ومن شدة بغض بريرة مغيث، قال: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو راجعته فإنما هو أبو ولدك" فقالت: أتأمرني فقال: "إنما أنا شافع" قالت: فلا حاجة لي فيه".
فأما ترجيحه بأن شهود الحرية أولى من شهود العبودية كذلك راوي الحرية أولى من راوي العبودية.
فالجواب عنه أنه يقال: إن علم شهود الحرية بالعبودية فشهادتهم أولى لأنهم أزيد علمًا ممن علم العبودية زلم يعلم ما يجدد بعدها من الحرية وإن لم يعود شهود الحرية بالعبودية وكان مجهول فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين:
أحدهما: أن الشهادتين قد تعارضتا فسقطتا.
والثاني: أن شهادة العبودية أولى لأنها تخالف الظاهر من حكم الدار فكانت أزيد ممن شهد بالحرية التي هي الغالب من حكم الدار ألا ترى أن اللقيط يجري عليه حكم الحرية في الظاهر لأنه الغالب من حكم الدار في الظاهر لأنه الغالب من حكم الدار ولأن أهلها أحرارًا فلم يكن في هذا الاستشهاد ترجيح.
فإن قالوا: تستعمل الروايتين فتحمل رواية من نقل العبودية على أنه كان عبدًا وقت العقد ورواية من نقل الحرية على أنه كان حرًا وقت العتق؛ لأن الحرية تطرأ على الرق ولا يطرأ الرق على الحرية، فكان ذلك أولى ممن استعمل إحدى الراويتين دون الأخرى.