قال في الحاوي: وهذا كما قال يجوز أن يتزوجها على تعليم القرآن فيكون تعليم القرآن مهرًا لها.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز.
واستدلالًا بقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}[النساء: ٢٤] وليس تعليم القرآن حالًا فلم يصح ابتغاء النكاح به.
وما روي عن أبي بن كعب أنه قال: لقنت رجلًا من أهل الصفة قرآنًا فأعطاني قوسًا فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "أتحب أن يقوسك الله بقوس من نار؟ قلت: لا، قال: فاردده" فلو جاز أخذ العوض عليه لما توعده عليه فدل تحريمه أن يأخذ عليه عوضًا على تحريم أن يكون في نفسه عوضًا.
ولأن كل ما لم يكن مالًا ولا في مقابلته قال لم يجز أن يكون مهرًا قياسًا على طلاق ضرتها، وعتق أمته.
قالوا: ولأن تعليم القرآن فرض يجز أخذ العوض عليه كسائر الفروق ودليلنا ما رواه الشافعي عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد وهبت نفسي لك وقامت قيامًا طويلًا فقال رجل فقال يا رسول الله إن لم يكن بك إليها حاجة فزوجنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عندك شيء تصدقها؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخذته منك عريت وإن تشقه عريت فالتمس شيئًا ولو خاتمًا من حديد فالتمس فلم يجد شيئًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكما بما معك من القرآن" وهذا نص.
وروى عطاء عن أبي هريرة أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه فقال: اجلسي بارك الله فيك ثم دعا رجلًا فقال: إني أريد أزوجكها إن رضيت فقال: ما رضيت لي يا رسول فقد رضيت فقال: هل عندك من شيء؟ فقال: لا والله فقال: ما تحفظ من القرآن؟ فقال: سورة البقرة والتي تليها فقال: قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك".
فإن قيل: وهو تأويل أبو جعفر الطحاوي معنى قوله: "قد زوجتكها بما معك من القرآن" أي لأجل فضيلتك بما معك من القرآن قيل عن هذا جوابان:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمس ولو خاتمًا من حديد" ليكون صداقًا فلما لم يجد جعل القرآن بدلًا منه فاقتضى أن يكون صداقًا.