والثاني: إن هذا التأويل يدفعه حديث أبو هريرة لأنه قال: قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك.
فإن قالوا: وهذا تأويل مكحول أن هذا خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم قيل عنه جوابان:
أحدهما: أنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المتزوج بها فيصير مخصوصًا بذلك وإنما كان مزوجًا لها فلم يكن مخصوصًا.
والثاني: أن ما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى دليل يدل على تخصيصه وإلا كان فيه مشاركًا لأمته.
فإن قيل: فقوله: "قد زوجتكها بما معك من القرآن" مجهول وكذلك قوله في حديث أبي هريرة: "قم فعلمها عشرية آية" هي مجهولة ولا يجوز لها رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقًا مجهولًا قيل عنه جوابان:
أحدهما: أنه كان معلومًا لأنه سأل الرجل عما معه من القرآن فذكر سورًا سماها فقال: زوجتكها بما معك من القرآن يعني السور المسماة وقوله في حديث أبي هريرة "عشرين آية" يعني السورة التي ذكرها وذلك يقتضي في الظاهر أن يكون من أولها فصار الصداق معلومًا.
والثاني: أن المقصود بهذا النقل جواز أن يكون تعليم القرآن صداقًا فاقتصر من الرواية على ما دل عليه وأمسك عن نقل ما عرف دليله من غيره.
ويدل عليه من طريق القياس أن كل منفعة صح أن يبذلها الغير عن الغير تبرعًا جاز أن يبذلها مهرًا قياسًا على سائر الأعمال المباحة ولا يدخل عليه عسيب الفحل لأن المقصود منه الماء وهو عين وليست بمنفعة.
فأما الاستدلال بالآية: فنحن نقول بنطقها وهم لا يقولون بدليلها ونحن وإن قلنا بدليل الخطاب فقد نقلنا عنه نطق دليل آخر وأما الخبر فقد روي عن أبي بن كعب تارة وعن عبادة بن الصامت أخرى وحديث عبادة أثبت وأيهما صح ففيه جوابان:
أحدهما: أنه يجوز أن يكون تعليمه للقرآن قد تعين عليه فرضه فلم يجز أن يعتاض عنه.
والثاني: أنه أخذه من غير شرط فلم يستحقه.
وأما قياسهم على طلاق امرأته وعتق أمته فالمعنى فيه أنه لا ينتفع بتعليم القرآن فجاز أن يكون صداقًا.
فإن قيل: فهي تنفتع بطلاق زوجته أو عتق أمته لأنه ينفرد بها. قيل ما تستحق من النفقة والكسوة مع الضرة والأمة مثل ما يستحقه منفردة فلم يعد عليها منه نفع.
وأما قياسهم على الصلاة والصيام بعلة أنه قربه فمنتقص بكتب المصاحف وبناء المساجد يجوز أن يكون مهرًا وإن كان قربة.
ثم المعنى في الصلاة والصيام أن النيابة فيهما لا تصح وأن نفعهما لا يعود على