الذي ترك هو الطاهر لم يتوضأ بواحد منهما، ويتمم ويعيد كل صلاة صلاها بتيمم، لأن معه ماء مستيقناً.
وفي بعض النسخ: لأن معه ماء مستيقناً، أي: متيقن الطهارة، ثّم فرق بين هذا وبين الخطأ في القبلة، وهو مقصود المزني من حكاية هذا النص، فقال: وليس كالقبلة يتأخاها في موضع، ثم رآها في غيره، أي: ليس عليه إعادة ما أخطأ فيها، وعلل فقال: لأنه ليس من ناحية إلا وهي قبلة لقوم، فلا يلزمه الإعادة لهذه العلة، ثم اختلف أصحابنا في المراد بهذه العلة، فقال: المراد به ما من ناحية من النواحي إلا وهي قبلة لقوم في بعض الأحوال لبعض الأعذار، وهو في السفر والخوف، فكذلك هذا المخطئ معذور، فلا يلزمه الإعادة، وقيل: أراد إلا وهي قبلة لقوم من أهل الآفاق. وذلك أن أهل الشرق يستقبلون الغرب، وأهل الغرب يستقبلون الشرق وأهل يمين القبلة يستقبلون يسارها. وأهل يسارها يستقبلون يمينها، فلم يخرج هذا المخطئ في اجتهاده عن قبلة قوم في الجملة، وهذا معنى قول عمر رحمه الله «ما بين المشرق والمغرب قبلة».
ثم علل المزني رحمه الله هذا للقولين، فقال: لأنه أدى ما كلف، أي: إنما كلف أداء الصلاة حيث أدى اجتهاده إليها وقد أداها كما كلف. قال: ولم يجعل عليه إصابة العين، أي: لم يجعل الشافعي على هذا المجتهد إصابة عين القبلة للعجز عنها في حال الصلاة، فلا يلزمه ما عجز عنها.
والجواب عن هذا هو أن نقول في أول الفصل: إن كان احتجاجك بأن الشافعي رحمه الله لم يوجب الإعادة في مسألة القبلة، فإنما أجاب بأحد القولين، فلا يكون فيه دليل على بطلان القول الآخر، وإن كنت تقيس على الخطأ في الصوم في عرفة، فالفرق ظاهر، وهو أنه قد يفطر الرجل بعذر ويقضي بعذر ما في رمضان [٥٤ أ/ ٢] فصوم رمضان يجوز في شوال مع العلم الأمن إلى غير القبلة مع العلم. وأيضاً لو أوجبنا الإعادة هناك لأعاده بعد رمضان أيضاً، فلا فائدة فيه. وههنا يعيد مستقبل القبلة.
وأما خطأ عرفة، قلنا: ذاك غلط لخلق عظيم، وفي إعادته مشقة عظيمة بخلاف هذا، وأيضاً ذلك الخطأ في الوقت، وأجمعنا على أن الخطأ في الوقت لا يعذر منها