فلم يلزمه، ولو أصبح مفطراً، ثم بلغ في ذلك اليوم له أن يأكل بقية نهاره قولاً واحداً، وهل يلزمه قضاء ذلك اليوم؟ وجهان:
أحدهما: يلزمه، وهو الأصح لأنه أدرك جزءاً من وقت الصوم [٥٦ أ/ ٢] كما لو أدرك جزءاً من وقت الصلاة.
والثاني: خرجه ابن سريج: لا يلزمه لأنه مدرك وقت الإمكان لأن بقية النهار لا يمكن إيقاع جميع الصوم فيها. وبنى الباقي عليه بخلاف الصلاة. واختار المزني رحمه الله أنه يلزمه قضاء الصلاة دون قضاء الصوم. واحتج بأنه لا يمكنه صوم يوم هو في آخره غير صائم، ويمكنه صلاة هو في آخرها غير مصل، ألا ترى أن من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب يبتدئ العصر من أولها ولا يمكنه في آخر يوم أن يبتدئ صومه من أوله فيعيد الصلاة لإمكان القدرة، ولا يعيد الصوم لارتفاع إمكان القدرة، ولا تكليف مع العجز.
والمزني ألحق هذه المسألة بهذا الباب لهذه النكتة التي أشار إليها، وهي أنه لا تكليف مع العجز فتكون هذه المسألة نظراً للمسائل التي كان تكلم فيها قبل ذلك ومعنى هذا الكلام أن الصوم يستغرق الوقت، فبإدراك بعض الوقت لا يحصل الإمكان بخلاف الصلاة، فمن أصحابنا من قال: في عبارته خلل كان ينبغي أن يقول لا يمكنه صوم يوم هو في أوله غير صائم، لأن الأول فات ههنا دون الآخر. وقيل: أراد المزني هذا، ووقع الغلط في الخط. وقيل: ما قاله صحيح أيضاً، لأن قصده ما ذكرنا أن الصوم يستغرق الوقت بخلاف الصلاة فسواء ما قال في أوله أو قال في آخره، فيصح ذلك.
والجواب عن هذا أن يقول: وإن كان يمكنه إعادة الصلاة إلا أنه لم يؤمر بها، لأنه أدى وظيفة الوقت قبل البلوغ وسقطت العقوبة عنه بالضرب بأدائها فهو كعبدٍ صلى يوم الجمعة الظهر ثم عتق وأدرك الجمعة لا يلزمه إعادتها، فكذلك هذا، وأيضاً الاعتبار بالإمكان لأنه قد يدرك تحريمه، أو ركعة من آخر الوقت، فتلزمه الصلاة، وإن لم يحصل الإمكان في الوقت فدلّ أن المعنى ليس ما ذكرتم بل المعنى أنه إذا أسرع في العبادة على الصحة يجوز [٥٦ ب/ ٢]، أن يتمها واجباً، وفي أولها لم يكن الشروع واجباً كما لو نذر صوم يوم بعد الشروع فيه يكون مقطوعاً في أوله ويجب الإتمام في آخره، كذلك ههنا.