قال بعض أصحابنا: يشترط في الجمعة شرطان زائدان نية الاقتداء وتقييد النية بما يتميز عن الظهر الذي هو فرض الوقت في سائر الأيام بأن يقول: أصّلي صلاة الجمعة فرض الوقت، أو يقول: الصلاة المفروضة ركعتين، ونية القصر عند الافتتاح شرٌط ليجوز له القصر. وأما صلاة النافلة، فعلى ضربين: مقيدة وغير مقيدة، فالمقيدة كصلاة العيدين والخسوف والكسوف، وصلاة الاستسقاء وقيام رمضان والوتر وركعتي الفجر، فهذه الصلوات لا تقع إلا بنيتها، فيلزمه أن ينوي الفعل، والتقييد.
وأما غير المقيدة مثل صلاة الليل وسائر النوافل يكفيه أن ينوي الفعل فقط. ومن أصحابنا من قال في النوافل الراتبة في الصلوات الخمس يلزم التقييد، وهذا َاقَيُس عندي وليس بمشهور. ومن أصحابنا من قال: في جمع النوافل المرتبة مع الفرائض سوى ركعتي الفجر يكفيه نية الفعل، لأن فعلها قبل الفريضة وبعدها يغني عن تقييدها وتخالف ركعتي الفجر، لأنها تقع سابقة للصلاة في أول طلوع الفجر، وإن صلّى الفريضة في آخره، ويصليها بعد الفريضة أيضًا إذا تركها، وهذا ضعيٌف عندي، لأن النوافل الراتبة وسواها في هذا المعنى سواء، وهذه النوافل مزية على غيرها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سّنها وواظب على فعلها، فلا بدّ من تعيينها.
وأما وقت النية [٥٩ أ/ ٢] في الإحرام لا قبله ولا بعده، فيحتاج أن تكون نيته مقارنة لجميع التكبير، ولو قدمها واستصحبها إلى حال التكبير جاز، والحكم للنية المقارنة، ولو أتى بتمام النية مع ابتداء التكبير واستصحبها إلى آخره أجزأه، وإن لم يستصحب ذكرها إلى آخر التكبير لم ُيْجِز، فإن قيل: هلّا قلتم: إنه إذا نوى مع أول جزء من التكبير أجزأه، لأنه عندكم من الصلاة كما قلتم فيمن ينوي الطهارة مع أول جزء من وجهه أجزأه؟ قلنا: لأن في الطهارة كل جزء منها سقط به الفرض عن محله، فإذا نوى عن أول جزء منها أجزأه، وههنا الصلاة عقد ينعقد لجمح لفظ التكبير، وإذا أتّمه يدخل به في الصلاة وانعقدت به، فيلزمه أن لا يعري شيئًا منه عن النية.
ومن أصحابنا من قال: يلزمه أن يأتي بجميع النية مع ابتداء التكبير، لأن النية لحظة، وهذا غلٌط. وأما قول الشافعي رحمه الله:(لا قبله) لم يرد به أنه لا يجوز أن ينوي قبل التكبير، بل أراد: لا ينوي قبله ويقطع قبل التكبير، وكذلك قوله: ولا بعده لم يرد أنه لا يجوز استدامة النية بعد التكبير، بل أراد: لا يجوز إنشاؤها بعد التكبير وقصد به الرّد على أبى حنيفة حيث قال: إذا نوى قبل التكبير بلحظة يجوز، وبه قال أحمد، وهذا لأن عبادات الأبدان مبنية على أن نيتها تقارن الشروع فيها، إلا في النية في الصوم للضرورة بدليل الحّج وغيره.
وروى الطحاوي والكرخي عن أبي حنيفة مثل مذهبنا، وقال داود: يلزمه أن يقدم النية على التكبير لئلا يعرى جزء منها عن النية، وهذا غلٌط لأنا نوجب أن يقارن جميع النية ابتداء التكبير، فلا يخلو جٌزء منها عن النية. وقال القفال: قال المتقدمون من أصحابنا: يلزمه أن