والثاني: لا يعطلن من الجماع لأنه أحصن لهن وأغض لطرفهن وأبعد للريبة منهن فعلى هذا لو كان إماء سراري وزوجات فأقام عند الإماء واعتزل الحرائر أو أقام عند واحدة من إمائه واعتزل باقيهن وجميع الحرائر جاز ولا قضاء عليه للحرائر لأن القضاء إنما يجب في القسم المستحق وليس مقامه عند الأمة قسمًا مستحقًا فلم يقضه وجرى مجرى مقامه معتزلًا عن إمائه ونسائه.
قال في الحاوي: وأما إذا ظهر منه إضرار لم يشتبه فيه حاله كف عنه وأمر بإزالته لقول الله تعالى: {وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النِّسَاء: ١٩] فأما إذا أشبهت حاله فيه فإن ادعت إسقاط حقها من القسم والنفقة أو تعديه عليها بالضرب وسوء العشرة وهو منكر ذاك وغير معترف به فعلى الحاكم إذا شكت ذلك إليه أن يسكنها إلى جنب من يثق به من أمنائه ليراعي حالها ويأخذه بحقها ويكف أذاه عنها فإن الحاكم لتشاغله بعموم الخصوم لا يقدر على مراعاتها بنفسه.
فإن قيل: فليس للزوج أن يسكن زوجته حيث يشاء فلم يجب عليه ها هنا أن يسكنها حيث لا تشاء.
قيل: إنما جاز له ذلك مع زوال الاشتباه وارتفاع الضرر ولا يجوز له ذلك مع خوف الضرر وهكذا لو شكي الزوج منها الإضرار وأنها لا تؤدي حقه ولا تلزم منزله ولا تطيعه إلى الفراش وأنكرت ذلك أسكنها الحاكم إلى جنب من يراعيها من أمنائه ليستوفي منها حق الزوج كما استوفي لها حقها من الزوج.
قال في الحاوي: وهذا كما قال. قال: على الزوج أن يفرد لكل واحدة من نسائه مسكنًا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في نسائه وكما لا يشتركن في النفقة فكذلك لا يشتركن في المسكن ولأن بين الضرائر تنافسًا وتباغضًا إن اجتمعن خرجن إلى الافتراء والقبح ولأنهن إذا اجتمعن شاهدت كل واحدة منهن خلوة الزوج بضرتها وذلك مكروه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الوجس وهو أن يطأ بحيث يسمع حسه فلذلك لزمه أن يفرد لكل واحدة منهن مسكنًا فإن أسكنهن في دار واحدة وأفرد لكل واحدة منهن بيتًا منها وكانت