إذا دخلت توارت عن ضرائرها جاز إذا كان مثلهن يسكن مثل ذلك ولم يكن لواحدة منهن أن تطالبه بإفراد مسكن وإن كان مثلهن مثل ذلك فأسكنهن في دار واحدة وأفرد كل واحدة منهن بحجرة منها تواريها جاز إذا كان مثلهن يسكن مثل ذلك.
وإن كان مثلهن لا يسكن مثل ذلك لجلالة قدرهن ويسار زوجهن أفرد كل واحدة منهن بدار فسيحة ذات بيوت ومنازل اعتبارًا بالعرف كما يعتبر العرف في كسوتهن ونفقاتهن فلو تراضى جميع نسائه بسكنى منزل واحد يجتمعن فيه جاز كما لو تراضين بالاشتراك في النفقة ولم يكن له أن يخلو بواحدة منهن حذاء ضرائرها فإن غاب أبصارهن جاز وإن علمن بخلوته ولو أراد أن يجمع بين واحدة منهن وبين أمه له سرية لم يجز لأن حفصة رضي الله تعالى عنها أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلوته بمارية في بيتها فاعتذر إليها.
فإذا جمع بين إمائه في مسكن واحد جاز ولم يلزمه أن يفرد لكل واحدة منهن مسكنًا لأنه لا قسم لهن ولا يلزمه الخلوة بهن ولأن ما يجب لهن من النفقة والكسوة والسكنى مواساة بخلاف الزوجات المستحقات لذلك معارضة ألا تراه يملك فاضل نفقات إملائه ولا يملك فاضل نفقات نسائه.
فصل:
ولو كان له زوجتان في بلدين فأقام في بلد إحداهما فإن اعتزلها في بلدها ولم يقم معها في منزلها لم يلزمه المقام في بلد الأخرى لأنه ليس مقامه في بلد الزوجة قسمًا يقضي ولو كان قد أقام معها في منزلها لزمه أن يقضي الأخرى فيقيم ببلدها في منزلها مثل تلك المدة؛ لأن القسم لا يسقط باختلاف البلدان كما لا يسقط باختلاف المحال.
قال في الحاوي: وهذا صحيح وللزوج منع امرأته من الخروج من منزله؛ لأن دوام استحقاقه للاستمتاع به يمنعها من تفويت ذلك عليه بخروجها ولأن له تحصين مائة بالمنع من الخروج فلو مرض أبوها أو أمها كان له منعها من عيادتهما ولو ماتا كان له منعها من حضور جنازتهما للمعنى الذي ذكرناه وكمن استأجر أجيرًا ليعمل مقدارًا بمدة كان له منعه من الخروج لذلك وقد روى ثابت عن أنس أن رجلًا سافر عن زوجته ونهاها عن الخروج فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادته فقال:«اتق الله ولا تخالفي زوجك» ثم مات أبوها فاستأذنته في حضور جنازته فقال: «اتق الله ولا تخالفي زوجك» فأوحى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها ولأن في إتباع النساء للجنائز هتكة ينهين عنها.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مع جنازة إلى البقيع فرأى فاطمة فقال من أين؟ قالت: