والوجه الثاني: وهو قول بعض أصحابنا: أنه لا يقبل منه في الظاهر ويلزمه في الحال طلقتان في ظاهر الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال: أنت طالق ثم قال بوقت إلى شهر وهذا خطأ والفرق بينهما أن البعض حقيقة وليس كذلك إطلاق الطلاق, إذا نوى أن يكون إلى شهر؛ لأن حقيقته تعجيل الطلاق فجاز أن لا يحمل في الظاهر على نيته, والله أعلم.
مسألة: قال الشافعي: "ولو قال أنت طالق أعدل أو أحسن أو أكمل أو ما أشبهه سألته عن نيته فإن لم ينو شيئًا وقع الطلاق للسنة".
قال الماوردي: إذا قال: أنت طالق أعدل الطلاق أو أكمل الطلاق أو أفضل الطلاق أو أحسن الطلاق أو أهنأه أو أسراء أو أسوأه أو أنهاه أو قال: شبه ذلك من صفات الحمد لم يخل حاله من أحد أمرين: إما أن يكون له فيه نيه أو لا نية فيه, فإن لم يكن فيه نية وجب حمله على طلاق السنة, لأنه الأعدل الأفضل الأجمل الأكمل سواء تغلظ ذلك عليه بالتعجيل أو تخفف بالتأجيل, وإن كانت طاهرًا طلقت في الحال طلاق السنة, وإن كانت حائضًا لم تطلق حتى إذا طهرت طلقت حينئذ للسنة وإن كانت له نية فعلى ضربين:
أحدهما: أن تكون نيته موافقة لظاهر لفظه وهو أن ينوي طلاق السنة فيحمل على ما نوى من طلاق السنة وتكون النية تأكيدًا للظاهر؛ لأنه إذا حمل على طلاق السنة في غير نية كان أولى أن يحمل عليه مع النية.
والضرب الثاني: أن تكون نيته مخالفة لظاهر لفظه, وهو أن يريد به طلاق البدعة لأنه اعتقد أن الأعدل مع قبح طريقها, والأجمل بسوء خلقها, أن يطلق للبدعة فهذا على ضربين.
أحدهما: أن يكون ذلك أغلظ حاليه بأن تكون حائضًا أو مجامعة فيحمل على طلاق البدعة, ويقع الطلاق في الحال؛ لأنه أغلظ.
والضرب الثاني: أن يكون ذلك أخف حاليه بأن تكون في الحال طاهرًا غير مجامعة, دين فيما بينه وبين الله تعالى.
وهل تقبل منه في ظاهر الحكم أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: لا يقبل منه في ظاهر الحكم, ولا يلزمه وقوع الطلاق إلا إذا صارت إلى حال البدعة, لأن ما ذكره من التأويل قد يحتمل أن يعدل بظاهر اللفظ إليه ثم لا يلزمه في ذلك إلا طلقة واحدة ما لم يرد أكثر منها.
فإن قيل فيه إذا قال: أنت طالق أكمل الطلاق يلزمه الثلاث لأنها أكمل الطلاق قيل: الثلاث هي أكمل الطلاق عددًا وقد يجوز أن يريد أكمل الطلاق صفة وحكمًا, فلم يجز أن يحمل على كمال العدد دون الصفة إلا بنية؛ لأن الثلاث زيادة فلم تقع إلا