للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهما بوجود إحدى الصفتين. وقال آخرون: بل العلة فيه أن تقابل الصفتين أوجب سقوطهما، لأجل المضادة فيهما فصارت الطلقة بسقوط الصفتين مطلقة، فوقع الطلاق بها في الحال، ولو قال: أنت طالق طلاق الحرج والسر، وقع الطلاق عليها في الحال، لأن طلاق الحرج هو طلاق البدعة فصار واصفاً لها بصفتين متضادتين فيقع بها الطلاق معجلاً على ما ذكرنا من اختلاف العلتين فلو قال: أردت بالحرج طلاق ثلاث وبالسنة أن يكون في كل طهر واحدة، فهذا يحتمل ظاهر كلامه أيضاَ. وهو أغلط عليه من الواحدة المعجلة فتقع ظاهراً وباطناً على ما نوى.

ولو قال: أنت طالق ملئ مكة أو ملئ الدنيا، طلقت واحدة لم يرد أكثر منها. لأن الطلاق لا يشمل محلاً، فيقع في مكان دون مكان. ويكون معنى قوله: ملئ الدنيا أي يظهر ذكرها في الدنيا، وقد ظهر فيها ذكر الواحدة كظهور الثلاث.

مسألة: قال الشَّافِعِيُّ: "وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا قَدُمَ فُلاَنٌ لِلسٌنَّةِ فَقَدُمَ فُلاَنٌ فَهِيَ طَالِقٌ لِلسٌنَّةِ".

قال الماوردي: لأنه علق بطلاقها بشرط وصفة، فالشرط قدوم زيد والصفة أن يكون طلاق السنة فوجب أن تعتبر الصفة بعد وجود الشرط فلا طلاق قبل زيد، فإذا قدم فقد وجد الشرط فوجب مراعاة الصفة فإن كانت عند قدوم زيد في طهر لم تجامع فيه، طلقت حال قدومه لوجود الشرط والصفة معاً، وإن كانت حائضاً أو في طهر قد جومعت فيه، لم تطلق بوجود الشرط لعدم الصفة حتى إذا صارت في طهر لا جماع فيه، طلقت بحدوث الصفة بعد وجود الشرط ولا يعتبر اجتماع الصفة والشرط. ولكن لو قال: إذا قدم فلان وأنت من ذوات السنة فأنت طالق، لم تطلق إلا بقدوم فلان وهي في ظهر لا جماع فيه، لأنه قد جعل الصفة شرطاً، وجعل طلاقها معلقاً باجتماع شرطين، فلم تطلق بوجود أحدهما ولا بانفرادهما.

ولو قال: إذا قدم زيد فأنت طالق، ولم يعلقه بسنة ولا بدعة، طلقت بقدومه طاهراً كانت أو حائضاً. لكن إن كانت طاهراً فهو طلاق سنة، وإن كانت حائضاً فهو طلاق بدعة، غير أنه يأثم به، لأنه لم يقصده.

ألا ترى أن متعمد وطئ الشبهة آثم، ومن لم يتعمده غير آثم، وإذا لم يأثم لم يندب إلى الرجعة كالإثم، لأن المقصود بالرجعة قطع الإثم، ولا فرق بين قوله: أنت طالق إذا قدم زيد وبين قوله إن قدم زيد، أنها لا تطلق إلا بقدوم زيد، لأنهما جميعاً حرفا شرط. ولكن لو قال: أنت طالق إذا قدم زيد، وأنت طالق أن قدم بفتح الألف طلقت مكانها، لأنهما حرفا جزاء عن ماض سواء كان زيد قد قدم أم لا؟ لأنه إن لم يقدم بطل الجزاء وثبت الحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>