كان في غيرها يجوز؛ لأنه لا يكون شارباً على فضة، ويروى هذا عن مالك. وقال غيره: لا فرق بين أن يكون في شفته [٣٩ ب/ ١] أو في غيرها. وقول الشافعي:"لئلا يكون شاربا على فضة" يريد من إناء فيه فضة. ثم من أصحابنا من قال: هذه كراهة تنزيه بخلاف آنية الذهب والفضة؛ لأنه قال:"ولا أكره من الأواني إلا الذهب والفضة". وأراد بتلك الكراهة التحريم فخرج منها المضبب. والصحيح أنه على التحريم.
وقوله:" وَلاَ أَكْرَهُ مِنَ الأَوَانِيِ إِلاَّ الْذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ" قصد به بيان جنس الأواني المحرمة والمباحة، فلا يدل على ما قاله القائل الأول.
ثم المضيب على أربعة أضرب: يسير للحاجة كحلقة القصعة وشعيرة السكينة، وضبة القصف فهذا مباح. وروى أنه كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة فيها سلسلة من فضة. ومعنى قولنا:"للحاجة": أنها في موضع الحاجة، وإن قام غير الضبة مقامها ني ذلك وقيل: لغير حاجة فلا يحرم لعلته، ويكره لعدم الحاجة إليه وهو مراد الشافعي هنا، وكثير الحاجة مثل أن يتشقق الإناء فتكثر فيه الضبات، فيكسره لكثرته ولا يحرم للحاجة، وكثير لغير حاجة فهر حرام. وقال أبو حنيفة: لا يحرم وإن كان جميع الإناء مضبب.
واحتج بأنه إناء جاوره فضة فلا يحرم استعماله، كما لو أخذ الإناء بكفه وفيها خاتم، وهذا غلط، لما روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من شرب من إناء الذهب والفضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر ني جوفه نار جهنم". ولأن [٤٠ أ/ ١] سرفاً وخيلاء كما في إناء الذهب، ومن أصحابنا من ذكر قولاً آخر في الكثير لحاجة، وفي القليل لغير حاجا إنها حرام.
فرع
لو ضبب في الإناء دراهم أو دنانير وشرب منه لم يكره، فإن أثبتها عليه بالمسامير فهي كالضبات سواء. ولو شرب بكفه ماء وفي إصبعه خاتم فضة فلا بأس.
مسألة: قال: "وَلاَ بَاسَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ مُشْرِكِ".
الفصل
وهذا كما قال. أراد به أنه لا يكرم للحدث أن يتوضأ من ماء مالكه مشرك. وكذلك لا يكره التوضاء بما فضل عن وضوء المشرك ما لم يعلم النجاسة فيه. وجملته أن أواني المشركين وثيابهم هي على ثلاثة أضرب يتحقق طهارتها، مثل إن اشتراه ولم يستعمله فلا يحرم استعماله وضرب يتحقق نجاسته فهذا يحرم استعماله. وضرب يحتمل أمرين ولا يعلم حاله. فالأصل الطهارة سواء كانوا يتدينون النجاسة كالمجوس يدينون الغسل