إذا بدأ بخصومته لأن خصومته لا يختلف سواء بدأ به أو بها وإنما حكم خصومتها يختلف بالبداية بها قبله أو بعده وكل موضوع قلنا لا يقبل قولها على الثاني لتعلق حقه فمتى بانت من الثاني بطلاق أو فسخ أو موت حلت للأول بغير نكاح لأن هناك نكاحًا قائمًا ورجعة مدعاة تحل له بذلك فإذا زال المانع عادت إلى ذلك الأصل.
هذه مسألة مستأنفة لا تعلق لها بالأول لأنا قد بينا أن إقرارها لا يقبل في حق الثاني إذا تزوجت والقصد به أن الإشهاد على الرجعة مستحب ولا تجب وهو قوله في القديم والأم، وهو الأصح وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في رواية، وقول الشافعي المسألة قبلها، ولو أشهد على رجعتها لأجل إثبات ما يدعيه عند نكاحها لا لأنه شرط فلا تناقض بين التعيين، وقال في "الإملاء" هو واجب، ويحكى هذا عن مالك واحتج بأنه استباحُه بضع مقصود في عينه فكان من شرطه الشهادة كالنكاح، وهذا غلط لأنه عقد ليس من شرطه الولي فلم يكن من شرطه الشهادة كالبيع وعليه النكاح، فإذا قلنا: أنه شرط واجب يحتاج أن يشهد على نفس الرجعة فإن راجعٍ بغير شهود ثم قال بعد ذلك بحضرة شاهدين: كنت راجعت لا يصح لأنه يكون إشهادًا على الإقرار بالرجعة إلا أن يقول [٨١/ ب] اشهدا أني راجعتها لا يضيف ذلك إلى زمان مضى فيكون ذلك ابتداء رجعةٍ وقال عمران بن الحصين في رجلٍ طلق ولم يشهد وراجع ولم يشهد: طلق في غير سنةٍ وراجع في غير سنةٍ فليشهد الآن، وإذا قلنا: لا يجب فإن راجع بشاهدين فقد أحسن، وإن راجع من غير شهادةٍ ثم أشهد على إقراره بها شاهدين كان محسنًا أيضا لئلا يجحد المراجعة بعد وجودها.
فرع
لو شك في طلاق امرأة قد ذكرنا فيما تقدم حكمه، وقال سفيان: يلزمه الرجعة وهذا غلط لأن الطلاق عند الشك ملغى فلا يلزمه حكمه، وحكي بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال: جاء رجلٌ إلى أبي حنيفة وقال: لا أدري أطلقت امرأتي أم لا، فقال: هي امرأتك فذهب إلى سفيان الثوري فقال: راجعها لا تضرك الرجعة فذهب إلى شريك بن عبد الله فقال: طلقها ثم راجعها فجاء إلى زفر بن الهذيل فأخبره بمقالتهم فقال زفر: أما أبو حنيفة فأفتاك بالفقه، وأما سفيان فأفتاك بالورع والاحتياط، وأما شريك فاستضرب لك مثلًا فيه مثله مثل رجلٍ مرّ بمثقبٍ فسأل عليه منه، فأما أبو حنيفة قال: ليس عليك شيء حتى تستيقن أنه بخسٌ، وأما سفيان أمره بغسله، فإن كان طاهرًا لم يضره الغسل، وإن كان نجسًا فقد غسله، وأما شريك قال بُلْ عليه ثم اغسله.