ممسكًا عن رفع الزوجية وما يعقب البذل من قبول الدافع للزوجية كان بعد مضي زمان العود، فلذلك صار عائدًا ووجبت الكفارة، فإذا قلنا بقول أبي إسحاق لو أعتقها وتزوج هل يعود حكم الإظهار؟ ينبني ذلك على ما ذكرناه من الطريقين لأصحابنا في عود النكاح بعد الفسخ هل يجري مجرى عوده بع البيونة بالثلاث أو بما دون الثلاث؟ ومتى قلنا يعود حكم الظهار هل يصير عائدًا بنفس العقد أو بمضي زمان يمكن فيه الطلاق على ما مضى من الوجهين.
مسألة: قال: "ولا يلزمُ المغلوبَ على فعِله الَّا مِنْ سكرٍ. وقالَ فِي "القديم": في ظهارِ السكرانِ قولانِ أحدهما: يلزمُه والآخر لا يلزمهُ. قال المزنَي: يلزمُه وأشبه بأقاويله ولا يلزمهُ أشبهِ بالحقِ".
منصوص الشافعي رحمه الله تعالى في كتبه الجديدة والقديمة أن طلاق السكران وظهاره صحيحان، والمزني نقله فيما نقله عن بعض كتبه الجديدة في الظهار، ولا فرق بين الظهار والطلاق، وقد ذكرنا فيها قولين وشرحنا ما قيل فيه، فإذا قلنا: يصحان فإن كان له تمييز فهما يصحان في الظاهر والباطن، وإن لم يكن له تمييز بحالٍ، قال ابن سريج، وأبو إسحاق: يصحان في الباطن والظاهر أيضًا؛ لأنّا نغلط عليه بسكره فيوقعها. ومن أصحابنا من قال: لا يصح في الباطن؛ لأنّا لا نقبل قوله أنه لم يكن له تمييز، ولو أخبرنا بذلك الصادق [١٢٨/ أ] نحكم أنه لا يصح ثم اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: أحكامه أحكام الصاحي في جميع الحوادث سواء كان عليه أوله أو بعضه له وبعضه عليه، فطلاقه، وظهاره، ورجعته، ونكاحه، وإقراره، وعقوده كلها صحيحة لازمة، وكذلك إسلامه وردته، ونص الشافعي في البويطي على أن إسلامه صحيح فقال فيه:"فإن أسلم السكران جاز إسلامه، وأقبله إن لم يسلم إذا أفاق" قال هذا القائل: وقول الشافعي: "إذا ارتد السكران لم أستتبه في حال سكره" أخر استتابته؛ لأنه في حال الصحو أقرب إلى زوال الشبه عنه، وإفهام الدلائل إياه، والسكران تعارضه الشبه وتخفي عليه الدلائل ووضح الحق، ولم يقل ذلك؛ لأن إسلامه في حال السكر لا يصح، وهذا مذهب أبي إسحاق. وقال أبو عبد الله الختن في "شرح التلخيص": يصح من قول السكران كل ما كان عليه، ولا يصح ماله والبيع بجميع ماله وعليه، ولا ينفرد أحد طرفيه عن الآخر، فوجب إبطال الطرفين، وكذلك حكم عقوده كلها، ثم إقراره فيما يلزمه في بدنه على ضربين؛ أحدهما: لحق الآدمي فيلزمه، والثاني: لحق الله تعالى من قبل الردة، وحد الزنا، وما في معنى ذلك فلا يقام عليه حتى يفيق؛ لأن توبته من ردته لا تصح في سكره، إذ هي له وما لزمه من حد الله تعالى، فرجوعه أن يرجع عنه يقول: ولا يصح في حال سكره أيضًا؛ لأنه له فوجب التأني به إلى أن يصح منه الرجوع بعد الإفاقة.