قال: رأيت ابن أبي هريرة يقول: لا تصح توبته في حال سكره من الردة. ومن قال بهذا قال: قول الشافعي: "إسلامه صحيح". أراد به من الكفر الأصلي فإن ذلك الإسلام عليه، فأما إسلامه من الردة فهم له فلم يصح، وهذه الطريقة حسنة ولكنها مخالفة لنص الشافعي [١٢٨/ ب] لأنه صحح إسلام الوثني في حال سكره، ونحن نعلم أن إسلامه يدرأ القتل عنه ويخفف عنه أحكام كثيرة. ثم إن المزني اختار أنه لا يصح طلاقه ولا ظهاره. واحتج بأن الطلاق عند الشافعي لا يجوز إلا من أهل القصد والإرادة، ولا طلاق عنده على مكره لارتفاع إرادته، فالسكران الذي يعقل كالنائم. ثم ألزم نفسه سؤالًا فقال: فإن قيل: لأنه أدخل ذلك على نفسه. قلنا: وإن أدخله على نفسه فهو في معنى ما أدخله عليه غيره من ذهاب عقله وارتفاع إرادته، ولو افترق حكمهما باختلاف السبب لاختلاف حكم من يجب بسبب نفسه أو بسبب غيره، فيجوز بذلك طلاق بعض المجانين.
وهذا الفصل غير مسلم للمزني؛ لأن أصحابنا قالوا: إذا قصد إزالة عقله بدواء فحكمه حكم السكران، فإن تداوي من مرض بدواء لا يعلم أن العقل يزول فحكمه حكم المجنون. ومن أصحابنا من مسلم هذا، وعلل بأنه لا تميل النفس إلى مثله فلا يحتاج إلى رادع. وذكر المزني في "المنثور" عن الشافعي أن رجلًا لو نطح رجلًا فانقلب دماغ الناطح والمنطوح، ثم طلقا امرأتيها لا يقع طلاقهما، فسوى بين الناطح والمنطوح، وإن كان الناطح عاصيًا دون المنطوح لما ذكرنا أنه لا تميل النفس إلى مثله وليس كالمكره؛ لأنه أكره على اللفظ بغير حق بخلاف هذا وليس كالنائم؛ لأنه غير عاصٍ بما أزال عقله بخلاف هذا. ثم ألزم نفسه سؤالًا آخر فقال: فإن قيل: ففرض الصلاة يلزم السكران دون المجنون قيل: وكذلك فرض الصلاة يلزم النائم، فهل يجيز طلاق النوم لوجوب فرض الصلاة عليه وقد بينا الفرق بينه وبين النائم، واحتج بأن الله تعالى قال:{لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنتُمْ سُكَارَى [١٢٩/ أ] حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء:٤٣]، فلم يكن له صلاة حتى يعلمها ويريدها، وكذلك لا طلاق حتى يعلمه ويريده: فقال له: أليس أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على أن قذفه قذف في قصة المشهورة حين قال علي رضي الله عنه: إذا شرب سكر، وإذ سكر هذى، وإذا هذى افترى، أرى أن يبلغ به حد المفترين، فلم يقل أحد منهم أنه لو افترى لم يلزم بالغربة حدًا كما لا يلزم المجنون بها حدًا، وإذا ثبت إجماعهم في لفظ واحد من ألفاظه فكذلك في غيره، وإنما لا تصح الصلاة منه في حال سكره؛ لأنه لا يتمكن من فعلها ومباشرة أركانها. ثم احتج بأن قول عثمان، وابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، ويحي بن سعيد، والليث بن سعد وغيرهم، فقال له: أما التابعون فلا حجة لك في قولهم، وأما عثمان، وابن عمر فأغلب الظنون أنهما كانا في تلك المشورة، فرأيهما في الجماعة أولى من رأيهما في الفرقة، وإن كانا غائبين عن المشورة فقول الأكثرين أولى. واحتج بفصل الردة، فقال: قال الشافعي: "وإذا ارتد سكران لا يستتاب في حال