للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سكره وفي هذا دليل على أنه لا حكم لقوله: "لا أتوب"؛ لأنه لا يعقل ما يقول، فكذلك هو في الطلاق والظهار لا يعقل ما يقول. قيل له: ألست وافقتنا على صحته ردته في حال سكره كان دمه هدرًا، وهذا مما لا يختلف فيه نص الشافعي رضي الله عنه، وكذلك قذفه. وإذا قتل في السكر قبلًا يوجب القصاص لزمه العود ولم يختلف النص فيه، وقد ذكرنا ما قيل في الاستتابة أنه أراد استحبابًا. وأما حد السكران قد ذكرنا فيما تقدم، وقيل: إن الشافعي قال: "هو من غرب عنه بعض عقله، فكان مرة يعقل ومرة لا يعقل". وقال الأوزاعي: هو من لا يميز ردائه من أردية الحر. [١٢٩/ ب].

مسألة: قال: "ولو تظاهرَ منها ثم تركها أكثر من أربعة أشهر فهو متظاهر ولا إيلاء عليه".

وإذا تظاهر من امرأته ولم يفارقها، قد ذكرنا أنه صار عائدًا وهي حرام عليه حتى يكفر، فإن تركها ولم يفكر حتى مضت أربعة أشهر لم يكن موليًا ولا يطالب بالفيئة أو الطلاق، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله، وقال مالك رحمه الله: يصير موليًا؛ لأنه منع نفسه من وطئها بقوله: "فكان موليًا"، وها غلط؛ لأن الظهار لفظ يتعلق به التحريم فلا يصير به موليًا كالطلاق، ولأنه لا يلزمه بوطئها شيء فلم يكن موليًا، كما لو أحرم أو اعتكف. واحتج الشافعي رحمه الله عليه بأن الظهار والإيلاء أصلان متباينان لأن المظاهر بعد الظهار مطيع لله بترك الجماع عاص له لو جامع قبل أن يكفر، والمولى عاص بالامتناع من الجماع، فكيف يصير المتظهر موليًا بالظهار، ولو جاز ذلك لجاز أن يصير المولى متظاهرًا بالإيلاء، ولكن هذه أصول لا يدخل بعضها في بعض، وفي هذا اللفظ الذي نقله المزني إشكال؛ لأنه قال: وعاصٍ بالإيلاء، وليس مراده أنه غير عاص بالظهار، وكيف لا يكون عاصيًا وقد قال تعالى: {وإنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ القَوْلِ وزُورًا} [المجادلة: ٢١]، ولكن مراد الشافعي ما ذكرنا أنه عاصٍ بالامتناع عن الجماع في الإيلاء بخلاف الظهار. ثم قال الشافعي رحمة الله عليه: "وسواء كان مضارًا بترك الكفارة أو غير مضار، إلا أنه يأثم بالضرار كما يأثم إذا آلي منها أقل من أربعة أشهر يريد ضرارًا ولا يحكم عليه بحكم الإيلاء". وقيل: مذهب مالك أنه يكون إيلاء إذ قصد به الضرار، وإن لم يقصد ذلك لا يكون موليًا.

مسألة: قال: "ولو تظاهرَ يريدُ طلاقًا [١٣٠/ أ] كانَ ظهارً".

إذا قال لها: أنت عليَّ كظهر أمي ونوى به الطلاق كان ظهارًا، ولو قال: أنت طالق يريد به الظهار كان طلاقًا؛ لأن كل واحدة منهما صريحي في بابه في جنس واحد، فلا ينصرف بالنية إلى غيره. وقوله: "وهذه أصول": أي كل واحد منها يخالف الأصول الأخر لفظًا ومعنى، فلا يكون الظهار إيلاء، ولا الإيلاء ظهارًا، ولا الطلاق ظهارًا ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>