الكفارة ثم بلغ، فإن وصف الكفر لم يجز، وإن وصف الإسلام هل يجوز؟ فه وجهان؛ أحدهما: يجوز لأنه محكوم بإسلامه، وهو اختيار القفال. والثاني: لا يجوز؛ لأنه ناقص الدين بدليل أنه يقر على الكفر ولم يحكم بإسلامه حال إعتاقه. وقال في "الحاوي": قال الداركي وجماعة من أصحابنا: يحكم بإسلامه ظاهرًا، وفي الباطن موقوف على بلوغه، فإن أقام عليه ثبت في الباطن أيضًا، وإن أظهر الكفر لم يقبل منه [١٤٦/ أ] في الظاهر وكان مقبولًا في الباطن، فعلى هذا لو اعتقه عن الكفارة ومات قبل أن يصف الكفر أو الإسلام أجزأه في الظاهر دون الباطن، وإن أظهر الإسلام أجزأه في الظاهر والباطن وجهًا واحدًا.
هذا الذي ذكره الشافعي - رحمه الله - في "الجديد" أكمل ما يكون في وصف الإيمان. وقال في "القديم": إذا أتى بكلمة الشهادتين كان مسلمًا ولم يعتبر البراءة من كل دين خالف الإسلام. قال أصحابنا: إنما اعتبر الشافعي البراءة من كل دين خالف الإسلام؛ لأن اليهود ومن يعتقد أن محمدًا، مبعوث إلى العرب الآدميين دون أهل الكتاب وهذا قول الجبرية من اليهود. فأما من لا يعتقد نبوته أصلًا أو كان من عبدة الأوثان يكفي أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإن لم يتعرض للبراءة يجوز. وهو اختيار أبي إسحاق، وهو المذهب، وليست المسألة على قولين. وأما الإقرار بالبعث بعد الموت والجنة والنار لا يعتبر ولكنه يستحب امتحانها بذلك وبسائر شرائط الاعتقاد، فإن أعتقه عن الكفارة ثم رأيناه ينكر البعث جعلناه مرتدًا من الآن والعتق مجزئ.
فرع
الكافر الذي يقول مع الله إلهًا آخر من عبدة الأصنام والوثنية والنصارى الذين يقولون ثالث ثلاثة إذا قال: لا إله إلا الله اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: يحكم بإسلامه ويجز على أن يقول محمد رسول الله، فإن لم يقل ذلك فهو مرتد. وأما من يقول في دينه: لا إله إلا الله كاليهودي والنصراني لا بد له أن يقول: محمد رسول الله ويصير مسلمًا بهذا القدر وحده، والذي يقول:[١٤٦/ ب] محمد رسول الله إلى بعض الناس دون بعض يحتاج أن يقول محمد رسوله الله بعث إلى الناس كافة، ففي الجملة يجب أن يقر بشيء مما يخالف أصل دينه من أصول دين الإسلام، أو يقول: تبرأت من كل دين خالف الإسلام حتى يصير به مؤمنًا، وهذا اختيار القفال. ومنهم من قال: لا يحكم بإسلامه حتى يأتي بالشهادتين، وهو ظاهر كلام الشافعي ها هنا، وهو المذهب،