للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما يجوز بعوض؛ لأن مذهبه أن الهبة لا تملك قبل القبض، خلاف قول مالك أنها تملك بالعقد، وهذا غلط؛ لأنها رقبة تجزئ عن كفارة المعتق عنه، فإذا أعتقها غيره عنه بأمره أجزأه عنه كما لو شرط العوض. وأما ما ذكره لا يصح؛ لأن العتق بعوض جعل بمنزلة البيع المقبوض، ولهذا يستقر عوضه، فينبغي مع عدم العوض أن يجعل بمنزلة الهبة المقبوضة.

فإذا تقرر هذا نقول: إذا أعتقه عنه يكون استدعاؤه إذا انضم إليه الإعتاق بمنزلة التمليك والقبول فيعتق من ملك الأمر. فإن قيل: متى يملك المعتق عنه، ومتى يزول ملك صاحبه؟ قلنا: فيه أربعة أوجه؛ أحدها: قاله أبو إسحاق: يقع الملك والعتق في حالة واحدة [١٥٣/ أ] عقيب الإيجاب بالإعتاق ولا يمتنع ذلك، وإن كانا ضدين تمانع الضدين مما طريقة بالمشاهدة دون الحكم، وها هنا طريقة الحكم. وعلى هذا قال: إذا اشترى أباه يعتقه ويملك عليه بالشراء وهذا ضعيف؛ لأن ما يمتنع في العقل من اجتماع الضدين لا يجوز إثباته في الأحكام؛ لأنه يكون حكمًا بالمحال. والثاني: يتبين بالعتق أنه كان مالكًا له باستدعاء العتق ثم عتق عليه بعد الملك بلفظ العتق، وهذا أيضًا ضعيف؛ لأن الإيجاب شرط فيه فلا يتقدم الملك على شرطه. والثالث: يقع الملك والعتق معًا في حالة واحدة، وهذا أيضًا ضعيف لما ذكرنا. والرابع: يملكه بلفظ العتق ويعتق بعد استقرار الملك، وهذا هو الصحيح، واختاره أبو حامد والقاضي والطبري. وعلى هذا إذا اشترى أباه يملكه بالشراء ويعتق عليه بعد استقرار الملك، وهذا لأن وقوع عتقه عنه يقتضي إثبات ولاية له، وذلك لا يكون إلا بتقدم الملك، ثم يقع العتق بحكم اللفظ واقع .... اللفظ، ولا يمتنع أن يوجد لفظ العتق ولا يتعقبه العتق لعدم شرطه. ألا ترى أنه لو قال: أعتقه عنك بألف فقال: قبلت، وقع العتق عيب القبول متأخرًا عن لفظه. وفيه وجه خامس: يملكه بأول لفظ العتق ويعتق بآخر لفظ العتق، وهذا قريب من الوجه الثالث. وهناك ما ذكرنا ما قال أصحابنا فيمن دعي إلى طعام فتناوله متى يملك الطعام؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يملكه بالتناول كالموهوب، فعلى هذا إذا تناوله لم يكن لصاحبه الرجوع فيه. والثاني: يملكه إذا وضعه في فيه؛ لأنه يختلط بريقه وهو سبب تعرضه لتلفه فتعلق به الملك. والثالث: يملكه بالابتلاع والإزدراد. فإذا قلنا: يملكه بالتناول هل يجوز أن يطعمها غيره؟ فيه وجهان؛ [١٥٣/ ب] أحدهما: له ذلك؛ لأنه ملكه. والثاني: ليس له ذلك؛ لأنه مأذون في تملكها على وجه مخصوص كالعارية لا يعيرها. والأول اختيار أبي حامد والقاضي الطبري.

وقال في "الشامل": الأشبه أنه يقال: هذا إذن بالإتلاف لا تملك فيه، لأن من شرط الهبة لفظها، والأذن في القبض إلا أن يتضمنها العتق خاصة لقوة العتق ولم يوجد ها هنا، ولأن الإذن بالتناول يتضمن إباحة الأكل فلا يجوز أن يحصل به الملك وليس بتمليكه بمطلق، ولو كان ذلك صحيحًا لجاز أن يتناول جميع الذي قدمه إليك ويرده إلى بيته ولا يصح أن يقال: يملك بالوضع في فيه؛ لأنه لم يحصل الأكل المأذون فيه، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>