يصح أن يقال يملكه بالابتلاع؛ لأنه يبطل به معنى الملك فيه ويصير كالتالف فكيف يملكه وهذا حسن؟ فإن قيل: ما تقولون إذا وهب لغيره عبدًا ثم أذن الواهب للموهوب له بالإعتاق فأعتقه قبل القبض هل يجوز أم لا؟ يجوز ويصير كأنه أعتقه بإذنه بعد قبضه. ومن أصحابنا من قال: لا يجوز هاهنا؛ لأن البيع باللفظ الصريح يخالف البيع لفظ استدعاء العتق بعوض والإيجاب فكذلك الهبة بلفظها الصريح بخلاف الهبة بلفظ استدعاء العتق والإيجاب.
فرع
لو أعتق عبدًا عن عامة المسلمين يعتق عنهم دونهم والولاء له. وحكي عن مالك أنه قال: يعتق عنهم والولاء لهم، وهذا غلط؛ لأن فيه إلحاق الولاء بهم من غير رضاهم.
فرع آخر
إذا قال: أعتق عبدك عني غدًا ولك عليَّ ألف فأعتق عنه غدًا يعتق عنه. قال القفال: وهل يستحق عليه المسعى أو قيمة العبد؟ وجهان؛ والظاهر أنه يستحق المسمى.
مسألة: قال: "ولو أعتقَ عبدينِ عنْ ظهارينِ أو ظهارٍ وقتلٍ كلُّ واحدٍ منهمَا [١٥٤/ أ] عن الكفارتين أجزأه".
الفصل
إذا كان عليه كفارتان عن ظهار أو جماع في رمضان، أو ظهار وقتل فأعتق عنهما عبدين فيه أربع مسائل؛ أحديها: أن يعتق أحدهما عن كفارة القتل فيجزئه إجماعًا. والثانية: أن يعتق عبدًا عن إحدى الكفارتين لا بعينها، وأعتق الآخر عن الكفارة الأخرى لا بعينها، فيجوز أيضًا؛ لأنه قد أتى بنية التكفير، وإنما فقدت منه نية التعيين، ولا اعتبار بنية التعيين في الكفارة عندنا، سواء اتفقت الكفارتان أو اختلفنا. وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يفتقر إلى تعيين النية عند الاتفاق، وتعتبر عند الاختلاف، مثل أن تكون إحديهما عن ظهار والأخرى عن قتل، وهذا غلط؛ لأنها كفارة واجبة فلم يفتقر صحة أدائها إلى تعيين سببها، كما لو كانت عليه كفارة واحدة. والثالثة: أن ينوي عتق كل واحد منهما عن الكفارتين، بأن يقول: أعتقت هذا عن كفارتي، ثم قال: أعتقت هذا الآخر عن كفارتي. نص الشافعي - رحمة الله عليه - أنه لا يجوز، ولا يختلف فيه أصحابنا، ولكن اختلفوا في كيفية وقوع العتق عن الكفارتين.
فقال ابن سريج وابن خيران: يعتق كل واحد عن كل واحدة من الكفارتين على التمام؛ لأنه لما أعتق نصفه عن إحدى الكفارتين سرى ذلك إلى الباقي فعتق عنها، وكذلك الآخر، وهذا بيَّن في كلام الشافعي هاهنا؛ لأنه قال: "أجزأه؛ لأنه أعتق عن