كل واحدة عبدًا نصفًا عن واحدة ونصفًا عن واحدة يكمل في العتق" فأخبر أنه كمل فيها العتق، وقوله: "أعتق عن كل واحدة عبدًا تامًا عن واحدة ونصفًا عن واحدة" إخبار عن فعل المعتق أنه هكذا فعل، ولكن انقلب ذلك وسرى على ما ذكرنا، وهذا اختيار أبي حامد، وذكر أنه نص عليه في الأم هكذا.
ومن أصحابنا [١٥٤/ ب] من قال: يعتق كل واحد منهما عن الكفارتين؛ لأنه هكذا نوي، فلا يجوز أن يقلب عما نوى، كما لو جب عليه كفارتان فأعتق عبدًا عن إحديهما لا ينقلب إلى الأخرى، وهذا أظهر من كلام الشافعي ها هنا. وقوله: "فكمل العتق فيهما" أي: كمل من طريق الحكم فجاز، لا أنه كمل من طريق السراية. وفائدة هذا الخلاف لا يتبين في هذه المسألة، وإنما يتبين في مسألة أخرى، وهو إذا كان له نصف عبدين فأعتقهما عن كفارته وهو معسر. فعلى قول ابن سريج لا يجوز بحالٍ؛ لأن الله تعالى أمر بعتق رقبة كاملة وهذا لم يعتق رقبة كاملة، ولأن ما أمر بصرفه إلى شخص واحد في الكفارة لم صرفه إلى اثنين كالمد من الطعام، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة. وعلى قول القائل الثاني يجوز بكل حالٍ، وبه قال أحمد؛ لأنه ينظم أحد النصفين إلى الآخر فتكون رقبة كاملة، ولأن الأشقاص بمنزلة الأشخاص فيما لا يمتنع منه العيب اليسير كما في الزكاة فإن من ملك ثمانين شاه مشتركًا كان بمنزلة إن تملك أربعين، ولا يلزم على هذا إذا ضحى بنصف شاتين لا يجوز لأنه يمتنع منها العيب اليسير.
ومن أصحابنا من ذكر وجهًا ثالثًا إنه إن كان باقيهما حرًا يجوز، وإن كان رقيقًا لا يجوز؛ لأنه إذا كان الباقي حرًا فقد كمل الأحكام فيه ووجد مقصود الحرية، بخلاف ما لو كان الباقي رقيقًا، والأول أظهر؛ لأن تكميل الأحكام لم تحصل بما أعتقه عن الكفارة، وإنما حصل بانضمام عتق النصف الآخر فلا يجوز.
فرع
لو أخرج في الزكاة نصفي شاتين بدل شاة، هل يجوز؟ وجهان؛ أحدهما: لا يجوز، وهو قول عامة أصحابنا. والثاني: يجوز، وهو اختيار الأصطخري [١٥٥/ أ] وكان يقول: لا أعلم خلافًا بين أصحابنا في الممتنع إذا ذبح نصفي شاتين يجوز، وأن نصفي رقبتين في وجوب زكاة الفطر بمنزلة رقبة واحدة، وعندي أن في الممتنع إذا ذبح نصفي شاتين يجوز على قياس قول أصحابنا؛ لأنه يمتنع بالعيب اليسير كالأضحية.
مسألة: قال: "ولو كانَ ممَن عليهِ الصومُ فصيامَ شهرينِ متتابعينِ عِنْ أحديهمَا كانَ له أنْ يجعلَه عنْ أيهمَا شاءَ".