قد بينا أن الكفارة لا تحتاج إلى نية التعيين، ولكن تحتاج إلى النية. قال الشافعي في "الأم": ولا تجزئة الكفارة حتى ينوي مع التفكير أو قبله واختلف أصحابنا في جواز تقديم نية الكفارة عليها الظاهر هذا الكلام، فمنهم من قال: يجوز، ومنهم من قال: لا يجوز إلا مع الفصل كما لا يجوز في الصلاة وهو الأظهر. وأراد الشافعي بما ذكر أنه ينوي قبله واستصحب النية، وهو كالوجهين في نية الزكاة؛ أحدهما: عند عزلها، والثاني: عند دفعها. ولا إشكال أنه لا تجوز النية قبل أن يتعين له العبد الذي يعتقه والطعام الذي يطعمه، والوجهان بعد تعيين العبد والطعام.
فإذا تقرر هذا لو كان عليه كفارتان فصيام عن إحديهما شهرين متتابعين هو معسر جاز، وهو بالخيار إن شاء عين الأن عن أحدى الكفارتين ثم يصوم شهرين آخرين عن الكفارة الثانية، وإن شاء تركها كما هي ويصوم شهرين آخرين عن كفارة أخرى لا يعينها، فإن عينها عن إحدى الكفارتين ثم أراد أن يصدقها إلى الآخر فليس له ذلك، كما لو أحرم إحرامًا موقوفًا له أن يصرفه إلى أي النسكين شاء من الحج والعمرة، فلو صرفه إلى أحدهما ليس له أن يصرفه إلى الآخر بعد ذلك. ولو صام أربعة أشهر عن كفارتين ونوى أن كل يوم عنهما أو يوم عن هذا ويوم عن ذاك، [١٥٥/ ب] أو شهر عن هذا وشهر عن ذاك لم يجز؛ لأن التتابع شرط. ولو كان عليه ثلاث كفارات وكان له رقبة فأعتقها عن إحديهما صام عن الأخرى، ثم مرض فأطعم عن الثالثة ونوى بالجميع الكفارة جاز؛ لأنه قد أتى بكل واحد من هذه الأجناس وهو من أهله فجاز، ولو عين الكفارة فأخطأ، مثل أن كانت عليه كفارة القتل لا غير فنوى عن كفارة الظهار لم يجز؛ لأن أصل النية واجب، وإن لم يكن التعين واجبًا، فإذا أخطأ في التعين لم يجز، وهذا كما لو أخرج خمسة دراهم زكاة ونوى عن أحد ماليه جاز بعد ما كان تالفًا لم يجز عن الآخر وعند الإطلاق لو بان تلف أحدهما تعين ما أدى عن الآخر، وكذا إذا صلى على جنازة فلا حاجة إلى أن يعرف أنه رجل أو امرأة، فلو عين وأخطأ لم يجزه.
فرع
لو قال لعبديه: أحدكما حر عن ظهاري أجزأه وتعين العتق.
فرع آخر
لو قال: إن كان ذا المقبل عبدي سالمًا فهو حر عن ظهاري، فكان ظاهر المذهب أنه لا يجزيه، كما لو قال لمكاتبه: إن عجزت فأنت حر عن ظهاري لم يجز.
مسألة: قال: "ولو وجبتَ عليهِ كفارةٌ فشكَ أَنْ يكونَ مِن ظهارِ أو قتلٍ أو نذرٍ،