إذا كان عليه كفارة ولم يعلم سببها فأعتق عنها رقبة أجزأه؛ لأن المأخوذ عليه أصل النية وقد وجد، فإن نوى عن الكفارة التي عليه جاز بلا إشكال. وقول الشافعي: "أو نذر" أراد به النذر الذي يجري مجرى اليمين وهو نذر اللجاج، فأما نذر البرر لا يكفي فيه نية التفكير. بل يحتاج إلى أن يأتي فيه إلى نية النذر، ولو أعتق في مسألتنا عبدًا ينوي به [١٥٦/ أ] العتق مطلقًا لا يجوز؛ لأن الظاهر من العتق المطلق، المطلق المتطوع به. وكذلك لو نوي عتقًا واجبًا لا يجوز؛ لأن الواجب قد يكون عن كفارة وقد يكون غيرها، ولو لم يكن عليه إلا المنذور فأعتق رقبة عن الحواجب الذي عليه جاز في ظاهر نص الشافعي.
مسألة: قال: "ولو أعتقهَا لا ينويَ واحدةً منهَا لمْ يجزئْهُ".
قد بينا أن النية شرط في صحة الكفارة، وصفتها أن ينوي عتقها عن الكفارة، فإذا زاد الواجبة كان تأكيدًا واعلم أن ها هنا إشكالًا وذلك أنه عطف بهذا على المسألة قبلها، وظاهر أن التعين واجب بلا خلاف ما قبلها، وإزالة هذا الإشكال بأن يقال: يحتمل أن يكون مراد الشافعي بقوله: "لا ينوي واحدًا منها" راجعًا إلى الصفة، أي لا ينوي الواجب عند العتق؛ لأن كل واحدة منهما واجبة فلا بد من أن ينوي واجبًا واحدًا من الواجبات التي شك فيه حتى يجزيه، ويحتمل معنى آخر، وهو أن ينوي بالعتق ما يتعين أنه غير واجب عليه، ثم يستبين أن الواجب غيره على ما ذكرنا.
مسألة: قال: "ولو ارتدَ قبلَ أن يكفرَّ فأعتقَ عبدًا عَنْ ظهارهِ فإنَ رجعَ أجزأهُ".
إذا وجب عليه عتق رقبة فارتد ثم أعتق، ومن أصحابنا من قال: هذا مبني على تصرفه وملكه وفيهما ثلاثة أقول: أحدها: تصرفه باطل وملكه زائل. والثاني: تصرفه نافذ وملكه باق. والثالث كلاهما مراعى الوقوف. فإن قلنا: ملكه باق وتصرفه نافذ يجوز أن يعتق عن الظهار من ماله، ولو كفر بالإطعام فيه وجهان؛ أحدهما: يجوز كالعتق. والثاني: لا يجوز؛ لأنه بدل عن الصيام الذي لا صلح منه، فأجرى على البدل حكم المبدل، هكذا ذكره صاحب "الحاوي" وسائر أصحابنا [١٥٦/ ب] لم يفصلوا بين العتق والإطعام بوجه، ولو صام في ردته لا يجوز، والفرق لأن الصوم عبادة بدنية محضة لا منفعة فيه للآدمي بحال، فالكفر يمنع جواز أدائه، وفي هذا نفع للآدمي، والأغلب فيه معنى الغرامة فجاز مع الكفر، ولأن الصوم عمل البدن لا يدخل في النيابة حتى لو أناب فيه كافرًا، فجاز إذا كان المؤدي كافرًا. فإن قيل: أليست الأعمال بالنيات والكافر ليس من أهل النية في حال كفره وجود نيته وعدمها بمنزلةٍ والكفارة عبادة تفتقر إلى النية، فكيف صحت من المرتد في