هريرة -رضي الله عنه -وعنده البر نصف صاع ومن غيره صاع. وقال مالك: لكل مسكين مد، ولكنه بمد هشام وهو مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل إنه دون المدين [١٦٧/ ب] وإنه مد وثلث بمد الرسول صلى الله عليه وسلم. وروي عن مالك نحو قولنا في جميع الكفارات إلا في كفارة الظهار فإنها بمد هشام؛ وهو ابن عبد الملك بن مروان وهذا بعيد. وقال أحمد: هو من البر مدٌّ، ومن التمر والشعير مدين. واحتج بما روى يزيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق من شعير؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر:"أطعم هذا ستين مسكينًا". وفي الزبيب روايتان؛ واحتج بخبر سلمة بن صخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه وسقًا للتفريق على ستين مسكينًا، والوسق ستون صاعًا وهذا غلط لما ذكرنا من خبر الأعرابي المجامع في رمضان.
وأما ما ذكروه من الخبر فمحمول على الجواز والاستحباب. وروى سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفع إليك وسقًا من تمر فأطعم ستين مسكينًا، وكل بقيته أنت وعيالك" فدل علي أنه يعطي من الوسق ستين مسكينًا ثم يأكل بقية الوسق وهو على مذهبنا أورده الشيخ الحافظ أحمد البيهقي. فإن قيل: فالفرق بين فدية الأذى وبين سائر الكفارات حيث قلتم: لا يجوز أقل من مدين لكل مسكين، قلنا: السنة فرقت بينهما وقد قال صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: احلق رأسك وأطعم ستة مساكين ثلاثة آصع من تمر وأبو حنيفة خالف السنة في جميع الكفارات فإنه قال في فدية الأذى: لا يجوز ثلاثة أصع من تمر بل يجب ستة أصع وهذا الخبر الذي ذكرنا صحيح أورده أبو داود وخبر الأعرابي المجامع لا شك في صحته وفيه خمسة عشرة صاعًا من تمر لستين مسكينًا، فإذا تقرر هذا فالواجب غالب قوت بلده كما قلنا [١٦٨/ أ] في زكاة الفطر، فإن أخرج أعلى منه كان أفضل، وإن أخرج أدون منه فالمذهب أنه لا يجوز، وإن أخرج قوتًا لا يلزم فيه الزكاة فإن كان غير لاقط لا يجوز، وإن كان لاقطًا نص هاهنا يجوز، وفيه قولان. وقد شرحنا في زكاة الفطر.
اختلف أصحابنا في تأويل هذه المسألة. فقال ابن سلمى وابن خيزران: تأويلها أن يحضر ستين مسكينًا وأحضر ستين مدًا من تمر واطعمهم ذلك. وقال: خذو هذا وكلوا فقد أعطيتكم ذلك فلا يجوز؛ لأنه ما ملكهم ولأن أكلهم يزيد وينقص، فأما إذا قال: هذه ستون مدًا لكل واحد منكم مد فملكتهم كلها يجوز؛ لأنه قد ملكهم وسوى بينهم وإنما بقيت القسمة وليس في ذلك مؤنة كبيرة وبه قال أحمد، وقال الأصطخري: لا