يجوز؛ لأن عليه تسليم حقهم إليهم من غير مؤنة ألا ترى أنه لا يجوز أن يدفع الحب إليهم إلى مصفي، والتمر إلا جافًا منقى وهاهنا قد بقيت مؤنة القسمة فلا يجوز. والأول أصح، فإذا ثبت جوازه ينظر فيما حصل مع كل واحد فإن كان قدر مد فقد استوفي كل واحد حقه، وإن كان أقل تمم له تمام المد، وإن كان أكثر لم يسترجع الفضل لأن الظاهر أنه تطوع به وهذا إذا لم يقل لكل واحد منكم مد فإن قال ذلك له إن يسترجع الزيادة.
وقال القفال: صورة المسألة أنه أحضر ستين فقيرًا وأباح لهم ستين مدًا ليأخذوا نهية ولا يجوز إلا واحد منهم لأنهم إن أخذوا بالسوية فذاك، وإن تفاوتوا فقد حصل الواحد منهم فصاعدًا أكثر من مد فإن يتقن أن عشرةً منهم مثلًا أخذوا أكثر من مد فعليه أن يتمم للباقين مدًا قال: ولو ملكهم مشاعًا فقال: هذا لكم يجوز؛ لأنه ملكهم ثم يقتسمونه كما شاء [١٦٨/ ب] ولا يضر أن يدع بعضهم بعض حقه إلى صاحبه وكذلك لو وكل المساكين رجلًا يقبض الكل جاز ثم هم أعلم. وقال أبو حنيفة: لو غداهم أو عشاهم أجزأه لقوله تعالى: "فإطعام ستين مسكينًا" وهذا قد أطعمهم وهذا غلط؛ لأنه حق مال يصرف إلى المساكين شرعًا فيحب تمليكه كالزكاة، وأما الأية أراد به التمليك بالإجماع فدل أنه المراد بالآية.
مسألة: قال: "ولا يجزيهِ أن يعطيهمْ دقيقًا ولا سويقًا".
الفصل
لا يجوز عند الشافعي في الإطعام إلا الحب نفسه كما قلنا في زكاة الفطر. وقال الأنماطي: يجزيه الدقيق وهو مذهب أحمد وهو اختيار ابن أبي هريرة، وعن أحمد في الخبز روايتان، وقال الأنماطي وابن أبي هريرة: يجوز الخبر لأنه مهيأ للاقتيات وبه نفتي. فأعطى إلى كل مسكين رطلين بالبغدادي، ومن نصر المذهب الاقتيات أحد منافعه وقد عدم أكثر منافع الجب، وقال أبو حنيفة: يجزئه الدقيق لا على طريق القيمة، ويجزئه الخبز وغيره على طريق القيمة.
مسألة: قال: "وسواءُ الصغيرُ منهمْ والكبيرُ".
قوله منهم يعني من المساكين، وجملته أنه يجوز صرف الطعام إلى الصغير لأن الله تعالى قال:{فَإطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}. ولم يفرق، ولأنه أحد ما يكفر به فجاز وضعه في الصغير كالعتق. ثم اعلم أن الصغير ليس من أهل القبض، فلا يدفع إليه بل يدفع إلى وليه، فإن دفعه إليه لم يجز، وإن كان الصغير رضيعًا قال أبو إسحق مرة لا يجوز حكاه الداركي لأن طعامه اللبن دون الحب، ثم رجع عنه وقال: يجوز؛ وهو الصحيح لأن الاعتبار ليس الأكل وإنما الاعتبار بالانتفاع، وهذا تصرف في منافعه. ألا ترى أن