للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قصة العجلاني أسبق. ومن أصحابنا من قال: قصة هلال أسبق وهو الأظهر في الإخبار، وما روي في قصة العجلاني أن الله تعالى قد أنزل فيك وفي صاحبك يعني فأنزل في قصة هلال لأن ذلك حكم في جميع الناس، ثم اعلم أن الرجل الأجنبي إذا قذف أجنبيًا أو أجنبية فقد فسق بالقذف، ووجب الحد عليه وله أن يسقط ذلك عن نفسه بالبينة بأن يجرح شهوده. وإن كان المقذوف امرأة يمكن أن تقيم البينة على عذرتها، فإذا فعلت ذلك سقط الحد عنها. فإن قذف امرأته فقد فسق ووجب عليه الحد، وله أن يسقط ذلك عن نفسه بأحد طريقين. إما بالبينة أو باللعان فأيهما اختار كان له، وليس من شرط صحة اللعان عجزه عن إقامة البينة، فإذا فعله وجب الحد عليها وكان لها أن تسقطه بإقامة البينة على جرح الشهود أو عذرتها إن كان الزوج أقام عليها البينة، وإن كان الزوج لاعن كان لها أن تلاعن وتدرأ الحد عن نفسها.

والفرق بين الأجنبي إذا قذف لم يكن له الخروج من قذفه إلا بالبينة، وبين الزوج إذا قذف زوجته له الخروج بالبينة أو اللعان جميعًا، وإن الأجنبي لا يحتاج إلى القذف واللعان فإنه لا ضرر عله في زنا الأجنبي وهو مندوب إلى الستر عليه، [١٧٤/ ب] فإذا أظهر ذلك وقذف غلط عليه ولم يحصل له الخروج إلا بالبينة، وأما الزوج فعليه ضرر في زنا زوجته لما يلحقه من النسب الفاسد والمعرة فهو محتاج إلى قذفها وإظهار زناها، فإذا فعل ذلك خفف عليه بأن جعل له الخروج بالبينة أو اللعان، فإذا تقرر هذا رجعنا إلى ما قال الشافعي ومقصده بيان أن الواجب بقذف الزوجة الحد ولكن المخلص منه اللعان كما أن الواجب بقذف الأجنبية الحد والمخلص منه بالشهود، وإذا نكل الزوج عن اللعان يلزمه حد القذف، وإذا لاعن ونكلت عن اللعان يلزمها حد الزنا وهذا لأن الله تعالى في أول سورة: {والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] يعني غير الزوجات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ثم عطف عليه حكم الأزواج فقال: {والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إلاَّ أَنفُسُهُمْ} [النور: ٦]، فأخرج الزوج باللعان عما أخرج عنه الأجنبي الشهودن وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة: إذا قذف زوجته يجب عليه اللعان دون الحد، فإن لاعن وإلا حبس حتى يلاعن، فإن لاعن وجب على المرأة اللعان دون الحد، فإن لاعنت وإلا حبست حتى تلاعن. وقال أحمد: إذا لم يلاعن الزوج حد، وإذا لاعن؛ لا يجب الحد على المرأة وهل تحبس المرأة؟ روايتان؛ واحتج بأن لعان الزوج لعان أحد الزوجين فلا يجب به الحد على الآخر أصله لعان الزوجة؛ وهذا غلط لأن الله تعالى قال: {والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ}. ولم يفرق بين الزوج وغيره، وإنما حض الأزواج بعد ذلك أن أقام لعانه مقام الشهادة على ما ذكرنا ثم قال: ويدرأ عنها العذاب، أي الحد أن تشهد أربع شهادات فدل على أنه وجب الحد عليها بلعانه [١٧٥/ أ] وإنما تسقطه بلعانها للضرورة. وأما ما ذكره لا يصح لأن لعانها على سبيل المعارضة وقد تقدم لعان الزوج فلا يوجب الحد على الزوجة بخلاف لعانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>