للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحد هاهنا أيضًا لأن الحجة مختلفة لا الموجب، فإذا تقرر هذا لا يجوز لامرأته أن تطلب حد أمها وإنما المطالبة إلى الأم أو وكيلها، فإن كانت الأم ميتة فهي تطلب حد أمها وإنما المطالبة إلى الأم أو وكيلها، فإن كانت الأم ميتة فهي تطلب حد أمها مع باقي الورثة على قولنا إنه يثبت حد القذف لجميع الورثة الرجال والنساء، ولو جاءت البنت تطلب حدها والأم غائبة كان له إسقاطه بالبينة أو اللعان، فإن عجز عنها حدّ لها، وإن جاءت الأم قبل البنت كان له إسقاط حدها بالبينة خاصة فإن لم يكن بينة حد لها ولو جاءتا معًا فالمنصوص أنه يقدم حد الأم وهو المذهب.

ومن أصحابنا من قال: يقدم حد البنت وهو اختيار أبي إسحاق لأن الحد لها سبق حد الأم بقوله: يا زانية ثم قال: بنت الزانية وهو كما لو قتل رجلاً ثم رجلاً قدم القصاص الأول ولأنه إذا قذف أجنبيتين بكلمتين يبدأ الحد من قدم أولاً كذلك هاهنا والأول أصبح لمعنيين؛ أحدهما: أن حد الأم مجمع عليه [١٩١/ ب] وحد البنت مختلف فيه، فإن عند أبي حنيفة لا يجب الحد لها بل يجب اللعان فقط والثاني: أن حد الأم أقوى لأنه لا يمكن إسقاطه إلا بالبينة وحد البنت يسقط باللعان فإذا قلنا: تقدم الأم فحددناه لها ثم جاءت البنت وطالبته فلم يلاعن ولا يأتي ببينة يلزم الحد لها ولكن لا يقيم عليه الحد حتى يبرأ من الحد الأول لأنه لا يجوز الموالاة بين الحدين مخافة التلف ويحبس حتى يبرأ للحد الثاني.

فإن قيل: أليس لو اجتمع عليه قطعان قطع في يمينه بسرقة، وقطع في يساره بجناية يوالي بين القطعين فما الفرق؟ قلنا: الفرق أن القصد من الحد الزجر فأمر بحد الظاهر منه البقاء دون التلف ونخاف التلف بين الموالاة بين الحدين ولا يمكن أن يقال في القطع أمر بقطع لا يؤدي إلى التلف لأن ظاهر القطع التلف فوالينا بين القطعين وفي هذا نظر؛ لأنه يلزم على هذا أن يقطع في شدة الحر والبرد ولا يقطع عند وجود ذلك وأيضاً الحد مقدر بالشرع فلا يراد عليه، ولهذا لو تكرر سببه لم يتكرر الحد، فلو والينا بين الحدين أضر به وأدى إلى خلاف موضوعه والقصاص يجوز أن يجب في الأطراف كلها لواحد ويستوفي له في حالة واحدة أن يجب لاثنين ويستوفي لهما في حالة واحدة، وإذا قدمنا البنت ولم تلاعن ولم تقم البينة نحده لها ثم يخاصم الأم ونحده لها بعد برئه من الحد الأول على ما ذكر القفال عن بعض أصحابنا أنهما إذا اجتمعا على المطالبة يقرع بينهما لأن الكلام فصل واحد.

وقال أبو حنيفة: إن لاعن الابنة يحد للأم، وإن حد للأم أولاً بطل حق البنت لأنه يصير محدوداً في القذف فلا يصح لعانه. قال: وإن اجتمعا يقدم حد الأم أولاً ثم يلاعن [١٩٢/ أ] واعلم أن الشافعي ربما يستقصي شرائط مسألة في موضع ثم إذا استقبلته تلك المسألة يذكر بعض شرائطها اعتمادًا منه على ما قد استقصى وهاهنا فعل على هذه العادة فقالك "وأمها حرة مسلمة" فاقتصر من ذكر شرائط الإحصان على الحرية والإسلام ولم يذكر العقل والعفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>