قال في الحاوي: أعلم أن حروف القسم ثلاثة: الواو وهي أصلها، ثم الياء، ثم التاء، فأما الواو فقوله: والله، وهو الحرف الصريح في القسم، فإذا قال: والله كان حالفًا، لا يرجع إلى إرادته في ظاهر ولا باطن، ولا يلزمه حكم اليمين في حقوق الله وحقوق الآدميين، وأما التاء المعجمة من تحت. فقوله: بالله، وفيها بعض الاحتمال، لأنه مع غالب الأحوال في القسم يحتمل أن يريد: بالله استعين وبالله أتق، وبالله أومن، فإذا أراد به القسم، أو قال مطلقًا كان يمينًا في الظاهر والباطن في حقوق الله وحقوق الآدميين، وإن لم يرد به القسم، وأراد ما ذكرنا من احتماله دين في الباطن حملاً على ما نواه ولم تلزمه الكفارة، وكان حالفًا في الظاهر، اعتبارًا بالغالب من حال الظاهر، ولزمه حكم اليمين كما لو لزوجته أنت طالق، وأراد من وثاق دين في الباطن وكان طلاقًا في الظاهر.
وأما التاء المعجمة من فوق، تالله، فمنصوص الشافعي في الأيمان والإيلاء أنها يمين، لأن الشرع قد ورد بها، قال الله تعالى:{وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم}[الأنبياء: ٥٧]. {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا}[يوسف: ٩١]. ونقل المزني عن الشافعي في القسامة: وتالله ليست بيمين فاختلف أصحابنا في تخريج ما نقله في القسامة على وجهين:
أحدهما: أنه ليس بصحيح، وقد وهم فيه، وإنما قال الشافعي: "بالله ليست بيمين" بالباء معجمة من تحت، وقد ذكر الشافعي في تعليله ما يدل على هذا، فقال: لأنه دعاء، فعلى هذا تكون تالله يمينًا قولاً واحدًا.
والثاني: أن نقل المزني صحيح، لضبطه في نقله، فعلى هذا اختلف أصحابنا مع صحة النقل في كيفية تخريجه على ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه تخريج قول ثان، فيكون على قولين لاختلاف النقل فيه.
أحدهما: وهو مذهب أبي حنيفة أن تكون يمينًا في المواضع كلها من غير أن تعتبر فيه إرادة؛ لأن عرف الشرع بها وارد؛ ولأن التاء في القسم بدل من الواو، فقامت مقامها في الحكم.