بمشيئة الله تعالى في الأيمان، وغيرها ليكون بالله مستعينًا وإليه مفوضًا.
فصل:
فإذا ثبت جواز الاستثناء دون وجوبه، فلا تأثير لاستثنائه إلا أن يقوله موصولاً بكلامه، فإن انقطع عنه لم يكن لحكم، وحكي عن الحسن البصري، وعطاء أنه إن استثنى في مجلس يمينه صح، وإن استثنى بعد فراغه لم يصح. وعن ابن عباس روايتان:
إحداهما: أن الاستثناء يصح أبدًا في طويل الزمان وقصيره.
والثانية: أن يصح إلى حين، والحين عنده سنة ولا يصح بعدها احتجاجًا بقول الله عز وجل:{واذْكُر رَّبَّكَ إذَا نَسِيتَ}[الكهف:٢٤]. أي اذكر الاستثناء إذا نسيته فعم الأمر من غير تحديد.
وروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" والله لأغزون قريشًا، والله لأغزون قريشًا، والله لأغزون قريشًا، وسكت ثم قال: إن شاء الله" فدل على جواز الاستثناء متصلاً أو منفصلاً.
والدليل على بطلان الاستثناء بعد انقطاعه قول الله تعالى" {ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤]. فجعل الاستثناء على الفور دون التراخي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى"، فذكر الاستثناء بحرف الفاء الموجبة للتعقيب والفور.
ولأن عرف الناس في الكلام المنفصل أن يكون مخالفًا للكلام المتصل؟ ألا تراه لو قال لعبده: أنت حر وسكت، ثم قال بعد زمان: إن دخلت الدار، عتق بالكلام الأول، ولم يكن ما ذكره من دخول الدار شرطًا، ولو قال على عشرة دراهم وسكت ثم قال بعد وقت: إلا خمسة لم يكن ذلك استثناء ولزمته العشرة، لاستقرار حكم الكلام بالسكوت عليه، كذلك الاستثناء بمشيئة الله تعالى.
وأما قوله تعالى:{واذْكُر رَّبَّكَ إذَا نَسِيتَ}[الكهف:٢٤] فقد قال عكرمة معناه: واذكر ربك إذا غضبت ليزول عنك الغضب عند ذكره وأما الخبر فقد ذكر الساجي أنه مرسل ورواه عكرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو صح جاز أن يكون محمولاً على سكوته لانقطاع النفس، أو قاله بعد تطاول الزمان استعانة بمشيئة الله على مقاصده وإن لم يجعله استثناء في يمينه؟ لأنه قد وفي بها في غزو قريش.