فإذا ثبت اعتبار الاستثناء بالاتصال دون الانفصال، فالمتصل ما وصفه الشافعي أن يصله بيمينه على نسق، فإن سكت لنحنحة وانقطاع نفس أو عجز أو تذكر كلام لم يكن قطعًا، وكان كالمتصل لأن الكلام لا يمتد، ولابد أن يتخلله سكتات الاستراحة، فأما إن سكت بغير هذا، أو تكلم بين اليمين والاستثناء بما خرج عنه من أمر ونهي وكلام لا تعلق له باليمين والاستثناء بطل حكم الاستثناء، لأن استقرار اليمين بالخروج عنها إلى غيرها.
فصل:
ثم لا يصح الاستثناء فيها مع الاتصال إلا بالكلام، فإن نواه بقلبه ولم يتكلم به لم يصح، لأن اليمين لما ينعقد بالنية لم يصح الاستثناء فيها بالنية، ولزم أن يكون الاستثناء نطقًا كما لزم أن يكون اليمين نطقًا.
فإن قيل: أفليس لو قال لعبده: أنت حر ونوى بقلبه إن دخل الدار كان شرطًا في عتقه فيما بينه وبين الله تعالى، وكلا يعتق عليه إلا بدخول الدار، وإن لم يذكره نطقًا فهذا كان الاستثناء هكذا.
قيل: الفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: لأن الاستثناء رافع كالنسخ، ولا يكون النسخ إلا بالكلام كذلك الاستثناء، والشرط تخصيص بعضه وتخصيص العموم يجوز بالقياس من غير كلام.
والثاني: أنه مبطل لظاهر الكلام، فلم يبطل إلا بمثله من كلام ظاهر، والشرط مثبت فحمل الكلام المحتمل على مقتضى الشرط، فلم يفتقر إلى الكلام فافترقا، ثم لا حكم لتلفظه في الاستثناء بمشيئة الله تعالى حين يقوله ناويًا به الاستثناء فلم لم ينوه وسيق في لسانه من غير قصد أو جرى به عادته أن يذكر مشيئة الله تعالى في سائر أحواله لم يكن استثناء.
ألا ترى أن عقد اليمين لا يصح إلا بالنية والقصد، ويكون اللغو فيها عفوا، كذلك استثناؤها، وإذا ثبت اعتبار النية في الاستثناء نظر، فغن قصد الاستثناء عند التلفظ بيمينه صح إذا تكلم به بعد يمينه، وإن لم يقصد مع ابتداء اليمين وقصده مع التلفظ بالاستثناء ففي صحته وجهان:
أحدهما: يصح لوجود القصد فيه عند ذكره.
والثاني: لا يصح لإطلاق اليمين عند ذكرها، ويجوز أن يتقدم الاستثناء على اليمين فيقول: إن شاء الله والله لا كلمت زيدًا، ويجوز أن يكون الاستثناء وسطًا، فيقول: والله إن شاء الله، لأنه يكون في الأحوال كلها متصلاً بكلامه الذي يعتبر حكم أوله بآخره، وحكم آخره بأوله، وسواء قال في استثنائه: إن شاء الله، أو أراد الله، أو إن أحب الله، وإن اختار الله، كل ذلك استثناء.