للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: لا يحنث؛ لأنه يحتمل أن يسلم عليهم دونه، ويحتمل أن يسلم عليه وعليهم فلم يحنث بالشك.

والثاني: يحنث؛ لأنه إذا سلم عليهم وهو فيهم فقد سلم عليهم وعلى كل واحدٍ منهم لحق عموم اللفظ فحنث به.

مسألة: قَالَ: " وَلَوْ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا فَالوَرَعُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَه".

اعلم أنه إذا حلف لا يكلم رجلًا، فكتب إليه، أو أرسل إليه رسولًا، أو أشار إليه، أو أومَأ إليه هل يحنث؟ قولان:

قال في "القديم": يحنث، وبه قال مالك لقوله تعالى: {ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلاَّ وحْيًا} [الشورى: ٥١] فاستثني الوحي من الكلام. [٢١/ ب] وقال تعالى: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] فاستثني الرمز من الكلام، ولأن الكلام يراد لإفهام ما في القلب، وبهذه الأشياء يحصل الإفهام.

وقال في "الجديد" لا يحنث وهو الأصح، واختاره المزني؛ لأن الله تعالى قال: {فَقُولِي إنيِّ نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] الآية، ثم قال: {فَأَشَارَتْ إلَيْهِ} [مريم: ٢٩]، فلو كانت الإشارة من الكلام لما أشارت وقد نذرت أن لا تتكلم، ولنه يصح نفي اسم الكلام عن هذه الأشياء فيقول: ما تكلمت ولكن أشرت وكتبت فلم يحنث به، وأما الآية التي ذكروها قلنا: ذاك استثناء من غير الجنس وقد ورد به القرآن، قال الله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إلاَّ سَلامًا} [مريم: ٦٢]. واحتج المزني على اختياره بأن الله تعالى قال: {أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًا فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَى إلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وعَشِيًا (١١)} [مريم: ١٠، ١١] فافهم بما يقوم في الفهم مقام الكلام ولم تتكلم به، وقد احتج الشافعي - رضي الله عنه - بأن الهجرة محرمة فوق ثلاثٍ، فلو كتب أو أرسل إليه وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من الهجرة التي يأثم بها، فلو كان الكتاب كلامًا يخرج به من الهجرة، وأجاب بعض أصحابنا عما ذكر المزني فقال: أما حديث زكريا صلى الله عليه وسلم فلأنه نهي عن الكلام مع استثناء الإشارة، وهو قوله تعالى: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: ٤١]، وبهذا استدللنا على أن الرمز كلام.

وأما الهجرة فإن كانت المخاطبة بينهما فيما قبل الهجرة بالكتاب أو الرسالة خرج من الهجرة إذا كانت عادته جارية بالتسليم بالإشارة، وإن كاتبه وهما في مجلس واحدٍ وقال في هذه الحالة لغيره: قل له كذا وكذا، فهذا إصرار منه على الهجرة؛ لأنه لا تزول به الوحشة وإن كان كلامًا إذا لم يقصد إزالة الوحشة حتى لو غاب صاحبه فكاتبه [٢٢/ أ] معتذرًا أو غير معتذرٍ، ولكنه لم يؤذنه بما في الكتاب زالت الهجرة بذلك، ولو كاتبه بالشتم أو استقبله فشافهه بالشتم لم تزل به الهجرة وإن تكلم، وهذا المعنى غير موجود، هكذا ذكره أصحابنا بخراسان.

وقال في "الحاوي" وغيره: إذا كتب إليه أو أرسل إليه رسولًا (وهو) يقدر على

<<  <  ج: ص:  >  >>