لأنه عرفٌ بكل واحدٍ منهما به، ولو قال: والله لا قرأت، حنث بقراءة القرآن دون قراءة الشعر، ولو قال: والله لا تكلمت، حنث بالكلام، وإنشاء الشعر دون قراءة القرآن لخروجه بالإعجاز من جنس الكلام الذي ليس فيه إعجاز.
وأما تخصيص العموم بالاستثناء: فهو القول المخرج من لفظ اليمين بعد ما اشتمل عليه وله شرطان؛ أن يكون متصلًا بها، وأن يخالف حكم اليمين، فإن كانت على نفيٍ كان الاستثناء إثباتًا، وإن كانت على إثباتٍ كان الاستثناء نفيًا، واختلف أصحابنا في هذا الاستنثاء، هل يفتقر إلى اعتقاده في أول اليمين على وجهين:
أحدهما: يفتقر إليه حتى إن لم يعتقده بطل حكمه فيما بينه وبين الله تعالى، وإن كان حكمه في الظاهر صحيحًا.
والثاني: لا يفتقر ويصح إذا اتصل بها ظاهرًا وباطنًا، وحكم هذا الاستثناء أن يخرج عن يمينه بعض جملها وهو على أربعة أضرب:
أحدها: استثناء مكانٍ.
والثاني: استثناء زمانٍ.
والثالث: استثناء عددٍ.
والرابع: استثناء صفةٍ. وفي ذكر إحداها بيان جميعها، فإذا قال: والله لأضربن زيدًا إلا في داري برَّ إن ضربه في غير داره، ولم يبر إن ضربه في داره. ولو قال: والله لا ضربت زيدًا إلا في داري، حنث إن ضربه في غير داره، ولم يحنث إن ضربه في داره، وبرَّ إن لم يضربه في غير داره، ولم يبر إن لم يضربه في داره، وعلى هذا القياس.
وأما التخصيص بالنية: فإن ينوي بقلبه [٢١/ أ] في عقد يمنيه ما يصح أن يذكر بلفظه، فيحمل فيه على نيته إذا اقترنت بعقد يمينه، ولا يصح إن تقدمت النية على اليمين أو تأخرت عنها، وذلك مثل قوله: والله لا كلمت زيدًا وينوي به مبهمًا، أو لا أكلت خبزًا وينوي بله ليلًا، فيحمل في اليمين بالله تعالى على نيته ظاهرًا وباطنًا، وفي الطلاق يحمل ظاهرًا لا باطنًا والله أعلم.
قال أصحابنا: جملة هذا أنه إذا علم ونواه بقلبه حنث قولًا واحدًا، وإن عَزَله بقلبه وقصد السلام على غيره لم يحنث قولًا واحدًا وإن لم يعلم فسلم على جماعتهم فهل يحنث؟ قولان؛ لأنه مخطئ، وفي الخاطئ قولان، ولو مرَّ عليه فسلم عليه ناسيًا فيه قولان، وإن سلم عليه ذاكرًا لليمين إلا أنه لا يعرف فهو خاطئ فيه قولان، وإن نوى السلام على جماعتهم حنث؛ لأنه سلم عليه وعليهم، وإن أطلق السلام عالمًا بأنه فيهم ولم يعزله بالنية ولا قصده بالنية، قال في "الأم" ونقله المزني إلى "المختصر": لا يحنث. وقال الربيع: وفيه قول آخر إنه يحنث. فالمسألة على قولين: