يتضمن نوعين من طاعة ومعصية، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالطاعة وهو الصوم، وأن يترك ما ليس بطاعة وهو القيام في الشمس ونحوه.
وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخطب الناس في يوم شديد الحر، فقام رجل من الأعراب في الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مالك؟ " فقال: نذرت أن لا أجلس حتى تفرغ، فقال:"اجلس فليس هذا بنذر، إنما النذر ما ابتغى به وجه الله تعالى".
وأيضاً روت ميمونة بنت كروم قالت: خرجت مع أبي في حجة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت الناس يقولون رسول الله، فجعلت أبده بصري، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له معه درة كدرة الكتاب، فسمعت الأعراب والناس يقولون: الطبطبية الطبطبية يا رسول الله، إن ولد لي ولدان أنحر على رأس برانة في عقبة من الثنايا عدة من الغنم، فقال رسول الله:"هل بها من هذه الأوثان؟ " قال: لا. قال:"فأوف بما نذرت به لله".
[٣٥/ أ] وقولها: "أبده بصري" معناه أتبعه بصري وألزمه إياه لا أقطعه عنه. والطبطبية حكاية وقع الإقدام.
وأيضاً روى ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من نذر لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر في معصية الله فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً فأطاقه فليف به". وأيضاً روى بن شعيب عن أبيه، عن جده، أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أضرب على رأسي بالدف، فقال: "أوف بنذرك". قال الإمام الخطابي: ضرب الدف ليس مما يعد من أبواب الطاعات التي تتعلق بها النذور، وأحسن حاله أن يكون من باب المباح، غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح سلامة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة في بعض غزواته، وكانت مساءة الكفار وإرغام المنافقين صار فعلها كبعض القرب التي هي نوافل الطاعات، ولهذا أبيح ضرب الدف واستحب في النكاح لما فيه من الإشادة بذكره والخروج به عن معنى السفاح. وأما الإجماع فلا خوف بين المسلمين فيه.
واعلم أن النذر في اللغة الوعد بخير أو شر، وفي الشرع: الوعد بالخير دون الشر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية الله".
واعلم أن الله تعالى حمد من وفي بعهده فقال تعالى:[يُوفُونَ بِالنَّذْرِ][الإنسان:٧]، وقال:{والْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا}[البقرة: ١٧٧]، ثم ذم من لم يف بنذره على ما ذكرنا.
وقد ذكرنا أقسام النذر، والآن رجعنا إلى مسألة الكتاب، فإذا نذر المشي إلى بيت الله الحرام، إما على طريق المجازاة، أو على شرط طريق المجازاة، وأوجبنا على المذهب الصحيح ينعقد نذره، [٣٥/ ب] ويلزمه المشي إليه بنكسة إما بحج أو عمرة لما