روى ابن عباس- رضي الله عنهما- أن أخت عقبة بين عامر نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تمشي بحج أو عمرة. وفي رواية: أنها نذرت أن تحج ماشية، وأنها لا تطيق ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لغني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة".
وفي رواية أن عقبة بن عامر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: "مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام". وقيل: هذا الصيام بدل من الهدى خيرت فيه كما خير قاتل الصيد بين الفدية بمثل وبين التقويم بالطعام وبين الصوم بدل كل مد يوماً.
فإذا ثبت هذا فلا يخلو الناذر إما أن يكون قادراً على المشي أو عاجزاً عنه، فإن كان قادراً لزمه المشي، لأنه طاعة، ومن نذر طاعة وقدر عليها يلزمه الإتيان بها.
وقد روى أن إبراهيم وإسماعيل-صلى الله عليهما- حجا ماشيين. وقال ابن عباس - رضي الله عنهما-: ما آسى علي شيء كما آسى علي أن لو حججت في شبابي ما شياً، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاً] [الحج:٢٧]، فبدأ بالرجال.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل يلزمه المشي؟ قولان: أحدهما: يلزمه وهو المنصوص هاهنا، كالمتابعة في الصوم.
والثاني: لا يلزمه، لأنه لا قربة في المشي ولا يجب بالشرع.
قال: وأصل القولين أن الحج ماشياً أفضل أو راكباً؟ فيه قولان؛ أحدهما: سواء.
والثاني: ماشياً أفضل.
وقال ابن سريج: المشي والركوب سواء مالم يحرم، فإذا أحرم فالمشي أفضل حتى يفرغ من الحج، وهذا غريب لم يذكره أهل العراق. وقال في "الحاوي": إذا قال: أمشي أو أركب إلى بيت الله الحرام فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يلزمه الركوب ولا المشي، لأن واحداً منهما [٣٦/ أ] لا يجب بالشرع فلم يجب بالنذر.
والثاني: يجبان به، يلزم المشي إذا شرط المشي، والركوب إذا شرط الركوب، لأن في المشي زيادة عمل، وفي الركوب زيادة نفقة وكلاهما قربة.
والثالث: وهو الأشبه المشي يلزم بالشرط دون الركوب، لأن في المشي مشقة وفي الركوب ترفيهاً. فإذا تقرر هذا فأن مشى فقد أتى بما لزمه ولا كلام، وإن ركب مع قدرته على المشي فقد أساء وأجزأه، ويريق دماً واجباً لقوله صلى الله عليه وسلم: [من ترك نسكاً فعليه دم]، ولأنه ترفه بالركوب فأشبه إذا ترفه بالطيب واللباس.