وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل يصح حجة؟ فيه قولان، أحدهما: ما ذكرنا.
والثاني: لا يصح حجة. فيقضي الحج ويمشي ما ركب ولا يركب ما مشى جاز، وهذا غريب. وإن عجز عن المشي فله أن يركب ويصح حجة بلا إشكال لما ذكرنا من خبر أخت عقبة بن عامر، ولأنه لو عجز عن القيام في الصلاة يجوز له القعود كذلك ها هنا.
وإذا ركب قال الشافعي- رضي الله عنه-: أراق دماً احتياطياً من قبل أنه لم يطق شيئاً سقط عنه. قال أبو إسحاق: ولأن ما لا يطيق لا يدخ في نذره، لأن إيجابه يتضمن الإمكان، فظاهر هذا انه لا يلزمه الدم وهو المذهب، وقيل: إنه نص على قولين، أحدهما: هذا.
والثاني: يلزمه الدم للخبر الذي ذكرنا، ولا يجوز أن يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركوب إلا مع العجز وأوجب عليها الدم، ولأنه نسك لو تركه لغير عذر يلزمه الدم فكذلك إذا تركه لعذر كالرمي ونحوه، وأيضاً فرق الشافعي- رضي الله عنه- فقال: لأن الناس أصلحوا أمر الحج بالصيام والصدقة والنسك ولم يعلموا أمر الصلاة إلا بالصلاة، فكأنه أراد أن الحج يدخله الجيران بالمال بخلاف الصلاة.
إذا أوجبنا المشي عليه فمن أي موضع لا يخلو من ثلاثة أحوال:
أحدها: [٣٦/ ب] أن يقول: لله علي أن أحج ماشياً، يلزمه المشي من حين يحرم من الميقات أو قبله إذا أحرم، وله أن يركب فيما قبل، لأنه أوجب المشي في حل الحج دون غيره.
والثاني: أن يقول: علي أن أمشي إلى مكة. قال أبو إسحاق: يلزمه أن يمشي من دويرة أهله، لأن نذره يقتضي هذا ويحرم من الميقات،. وقال صاحب "الإفصاح": يمشي من دويرة أهله ويحرم من دويرة أهله أيضاً، لأنه لا قربة في المشي دون الإحرام، فلا يختلف أصحابنا في وجوب المشي من دويرة أهله، واختلفوا في وجوب الإحرام منها على وجهين:
أحدهما: يلزمه من دويرة أهله لأن الأصل في الإحرام الوجوب من دويرة أهله، ولكن رخص للحاج تركه إلى الميقات، فإذا نذر حمل مطلق النذر على ذلك الأصل.
والثاني: وبه قال عامة أصحابنا وهو الصحيح: يلزم الإحرام من الميقات وبه قال أحمد، لأن مطلق النذر محمول على المعهود في الشرع، والإحرام في الشرع يجب من الميقات، هكذا ذكره القاضي الطبري، وقال بعض أصحابنا ذكره صاحب "الإفصاح" قول أبي إسحاق.
وفي أول ما يجب عليه المشي وجهان: أحدهما: يجب عليه المشي من بلده إذا توجه منه لحجه اعتباراً بالعرف في حج الماشي، فعلى هذا يلزمه الإحرام من بلده.
والثاني: يلزمه المشي من ميقاته اعتباراً بأول أفعال الحج وأركانه، لأن المشي من غير إحرام لا قربة فيه، فعلى هذا يحرم من ميقاته.