للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال: إن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف أن قد ساءه، ثم قال: "يازبير احبس الماء إلى الجدر أو إلى الكعبين ثم خل سبيل الماء" فنزلت الآية: {فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، أي فيما تنازعوا فيه، وسميت المنازعة مشاجرة لتداخل كلامهما كتداخل الشجر الملتف {ثُمَّ لا يَجِدُوا} أي لا يجدوا في أنفسهم {حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، أي تسليمًا لحكمك.

وأيضًا قال الله تعالى: {إنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨]، وأيضًا قوله تعالى: {وأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩]، وقوله تعالى: {إنَّا أنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: ١٠٥] الآية، وقوله تعالى: {إنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا} [النور: ٥١] الآية، وقوله تعالى: {وآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطَابِ} [ص:٢٠]، قال أبو عبد الرحمن: فصل الخطاب: فصل القضاء. وقال شريح: الشهود والأيمان. وقوله تعالى: {مَن يَشَاءُ ومَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يعني المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة، ومتشابهه ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه وأمثاله.

وأما السنة: فما روى بريدة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثة؛ قاضيان في النار وقاضٍ يقضي ولا يعلم فأهلك حقوق الناس فذلك في النار، وقاضٍ قضى بالحق فذلك في الجنة". هكذا رواه ابن المنذر.

وروى أبو داود عن بريدة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثة؛ واحد [٥٩/ أ] في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار عنه، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار". وفي هذا الخبر دليل على أن كل مجتهد لا يكون مصيبًا، بل الحق في واحدٍ؛ لأنه لو لم يكن هكذا لم يكن للتقسيم معنى على هذا الوجه.

وأيضًا روى عمرو بن العاص وأبو هريرة -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى القاضي فأصاب كان له عشرة أجورٍ، وإن أخطأ كان له أجرٌ أو أجران".

وروي أن رجلين اختصما إلى عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فقضى بينهما، فسخط المقضي عليه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "إذا قضى واجتهد كان له عشرة أجور، وإذا اجتهد فأخطأ كان له أجر أو أجران".

واعلم أن المخطئ إنما يؤجر به على اجتهاده في طلب الحق؛ لأن اجتهاده عبادة

<<  <  ج: ص:  >  >>