ولا يؤجر على الخطأ، بل يوضع عنه الإثم فقط، وهذا إذا كان جامعًا لآلة الاجتهاد، عارفًا بالأصول، عالمًا بوجوه القياس.
وأيضًا روى أبو البحتري عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟ قال: فضرب في صدري وقال: "اللهم أهد قلبه، وثبت لسانه"، قال: فو الذي فلق الحبة ما شككت في قضاءٍ بين اثنين.
وروي أنه قال:"إن الله مثبت قلبك وهاد لسانك، فإذا حضر الخصمان إليه فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر، فإنه أحرى أن بتبين لك القضاء"، قال: فما أشكلت عليَّ قضية بعدها، وقدم منها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
وروي أنه قال له:"إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك" فما شككت في قضاء بعد. وأيضًا روي أن رسول الله [٥٩/ ب] صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذًا إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ " قال: أقضي بكتاب الله -عز وجل، قال:"فإن لم تجد في كتاب الله؟ " قال: بسنة رسول الله. قال:"فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ " قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال:"الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله".
وقوله:"أجتهد رأيي" أراد به الاجتهاد في رد القضية من طريق القياس إلى معنى الكتاب والسنة، ولم يرد به الرأي الذي يخطر بباله من غير أصل من كتاب أو سنة، وفي هذا إثبات القياس، وأنه ليس للحاكم أن يقلد غيره. وقوله:"لا آلو" معناه لا أقصر في الاجتهاد، ولا أترك بلوغ الوسع منه.
وروت أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما أن بشر، وإنكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له ما أسمع منه، فمن قضيت له حق أخيه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من النار".
وقوله: "ألحن بحجته": معناه أفطن بها، وألحن مفتوحة الحاء، ولحن الرجل في كلامه لحنًا بسكون الحاء.
وروي أن عثمان قال لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-: اذهب واقض بين الناس، قال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين، فإني أعزم عليك، قال: لا تعجل علي، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من عاذ بالله - عز وجل- فقد عاذ بمعاذٍ" قال: نعم،