فأني أعوذ بالله أن أكون قاضياً، قال: فما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضى؟ قال: إن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من كان قاضياً فقضى بالجور كان من أهل النار, ومن كان قاضياً فقضى بالجهل كان من أهل النار، وما كان قاضياً فقضى بالعدل فبالحري أن ينفلت كفافاً " فما أرجو منه بعد ذلك.
وأيضاً روى أبو أيوب الأنصاري [٦٠/ أ]-رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الله مع القاسم حين يقسم؛ ومع القاضي حين يقضى".
وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا جلس القاضي للحكم بُعث إليه ملكين يسددانه؛ فإن عدل أقاما؛ وإن جار عرجا وتركاه".
وأيضا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عتاب بن أسيد على مكة بعد الفتح والياً وقاضياً؛ وقال " انههم عن بيع مالم يقبضوا؛ وربح مالم يضمنوا".
وروى أنه صلى الله عليه وسلم قلد دحية الكلبي قضاء ناحية. وأيضاً فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتنازعين وحكم بين المتشاجرين على ما سنذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وأما الإجماع؛ فلأنه لا خلاف بين المسلمين فيه.
وقد حكم أبو بكر -رضي الله عنه-: بين الناس؛ وبعث أنس بن مالك - رضي الله عنه- إلى البحرين قاضياً.
وقال على - رضي الله عنه-: قَدمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر في مرضه لصلاة المسلمين؛ فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا فوجدناه أحق بالأمر فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا؛ فبايعت أبا بكر؛ وكان لذلك أهلاً فأقام بين أظهرنا الكلمة واحدة والأمر واحد؛ لا يختلف عليه منا اثنان.
وروى الحسن عن على - رضي الله عنهما - قال: لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلى بالناس؛ فأنى لشاهد ما أنا بغائبٍ ولا بى من مرض فنرضي لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا.
وحكم عمر- رضي الله عنه - بين الناس؛ وبعث أبا موسى الأشعرى -رضي الله عنه - إلى البصرة قاضياً. وبعث ابن عباس [٦٠/ب]- رضي الله عنه - إلى البصرة قاضياً وناظراً.
وأيضاً فالقضاء أمر بالمعروف ونهى عن المنكر؛ وقال الله عز وجل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَر} الآية [آل عمران:١١٠]. وأيضاً ففي أحكام الاجتهاد ما يكثر فيه الاختلاف ولم تتعين هاتين المختلفتين فيه إلا بالحكم الفاصل والقضاء القاطع.