للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طلبه الوزير بن الفرات ليوليه القضاء وقد هرب منه فختم داره؛ فقال لي: أحفظ هذا حتى تحكيه.

فإذا تقرر هذا فالناس في القضاء على أربعة اضرب؛ ضرب يجب عليه أن يتولى القضاء؛ وضرب يستحب له ولا يجب عليه؛ وضرب يستحب له تركه ولا يستحب له فعله؛ وضرب يحرم عليه فعله والدخول فيه.

فأما من يجب عليه فرجل يكون من أهل الفقه والأمانة ولا يوجد في بلده من يصلح للقضاء غيره من أهله؛ فإنه يتعين عليه فرضه؛ لأن الفرض على الكفاية إذا لم يكن من يقوم به غيره أحد يتعين عليه كما نقول في الفتوى؛ وغسل الموتى والصلاة عليه ودفنهم ونحو ذلك. ويجب على الإمام أن يعرضه عليه ويدعوه إلى الدخول فيه؛ فإن امتنع لم يحل له؛ وكان الإمام إجباره عليه.

ومن أصحابنا من قال: ليس له إجباره عليه لقول صلى الله عليه وسلم: "إن لا نجبر على القضاء أحداً"؛ ولأنه من فروض الكفايات فإذا أجبرناه عليه جعلناه من فرائض الأعيان؛ وهذا ضعيف لا وجه له؛ والخبر محمول على ما لو كان هناك نص وفرائض الكفايات قد تتعين على ما ذكرنا؛ ولأنه إذا ألزمه فلا يحل له تركه ويجوز إجباره على فعل الفرض الذي يتعلق بحقوق المسلمين؛ ولأن من اضطر إلى طعامه وهو لا يحتاج إليه [٦٣/ أ] أجبر على بذله؛ فإذا اضطر إلى منفعته أجبر على بذلها ولا فرق بينهما.

فرع

إذا تعين عليه ما ذكرنا يجب عليه أن يمضى للإمام ويعرض نفسه عليه لأنه بمنزلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا تعين عليه؛ فإن لم يفعل ذلك عصى وأثم. وقال في " الحاوي": لا يتعين طلب القضاء؛ لأن فرض التقليد على المولّى دون المولى.

فرع آخر

لو كان هناك جماعة بهذه الصفة وجب عليهم على طريق الكفاية؛ حتى يقوم به أحدهم فيسقط فرضه عن جماعتهم؛ فإن عرض الإمام القضاء على واحدٍ منهم هل يجبره على قبوله إذا امتنع؟ ينظر فإن امتنع لعذرٍ لم يجبره؛ وإن امتنع لغير عذرٍ هل يجبره عليه؟ وجهان

أحدهما: لا يجبره؛ لأنها نيابة كالوكالة؛ ولأنه إذا وجد غيره لم يتعين عليه فلا يجبره عليه.

والثاني: يجبره؛ لأنه دعاه إلى واجبٍ رأى تعيينه فيه؛ ولأنه مأمور بطاعته؛ فإن تركه على امتناعه يجوز أن تكون حال غيره مثل حاله فيقضى الأمر إذاً تعطيل القضاء بخلاف الوكالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>