من أمور المسلمين وفرض لهم رزقاً، فقبل يزيد أبي مالك ولم يقبل الحارث، فقال عمر بن عبد العزيز ما نعلم بما فعل يزيد بأساً، وأكثر الله فينا مثل الحارث.
وأيضاً فإن الله تعالي فرض للعاملين علي الصدقات سهماً وجعل لهم حقاً لسعيهم فيها وقيامهم ها، فالقاضي بذلك أولي، ولأن خمس الخمس لمصالح المسلمين وهذا من أهم المصالح أو مثل أهمها فوجب أن ينصرف إليه.
فإن قيل: أليس وروي عن عمر- رضي الله عنه- أنه قال: لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ علي القضاء أجراً؟ قلنا: أراد به إذا كان مستغنياً عنه فالأولي له ذلك، أو أراد به أخذ ذلك من غير بيت المال.
ومن أصحابنا من قال: إذا كان له كفاية يكره له أخذ الرزق عليه وإذا لم يتعين عليه فرض القضاء، فإن تعين عليه فرضه وكان مكفياً لم يجز له أخذ الرزق من بيت المال، لأنه فرض متعين عليه، ولا يجوز أنن يأخذ في مقابلته عوضاً. وإن كان فقيراً وإذا اشتغل بالقضاء بطل كسبه وجب أن يرزق؛ لأنه تضييع حق نفسه بمراعاة حق غيره.
فرع آخر
قد ذكرنا أنه يجب علي الإمام أن يبعث القضاة إلي البلدان، ولا يكلفون السير في خصوماتهم إلي بلد الإمام لما ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم بعث القضاة إلي البلاد، ولا بد من أن يكون الإمام عالماً بتكامل شروط القضاء في المولي ليقع العقد صحيحاً بعد معرفته به، فإن كان رجلاً قد عرفه علي معرفته وعلمه لا يحتاج إلي السؤال والبحث عنه وعن حاله، وإن لم كن عرف حاله يجمع بينه وبين أهل العلم [٦٧/ب] حتى يقف علي مقدار علمه، ثم يسأل عنه من يعرفه من جيرانه والمختلطين به، فإذا ثبت عدالته وعلمه ولاه القضاء.
وقال الإصطخري: يحضر عنده الموافقين والمخالفين، وبأمرهم بالمناظرة بين يديه حتى يعرف من أهل الاجتهاد، فإذا عرفه سأل عنه في الباطن، ثم ولاه بعد ذلك، وهذا قريب كما ذكرنا.
فرع آخر
إذا استفاض الخبر بحاله كانت الاستفاضة أكد من الشهادة ولا يحتاج معها إلي الأخبار، وإن لم يستفيض به الخبر جاز أن يقتصر منها علي شهادة عدليين بتكامل شروط القضاء فيه، ويختبره ليتحقق باختياره صحة معرفته، وهذا الاختبار بعد شهادة عدليين هل يكون واجباً أو مستحباً؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه استحباب يستظهر به، لأن صحة الشهادة يوجب العمل بها.
والثاني: أنه واجب لجواز أن يطرأ عليه نسيان أو اختلال.
فإن لما يشهد بتكامل صفاته شاهدان لزم اختباره قبل تقليده علي ما ذكرناه، وهذا لأن