في صلاته من ركعتين؟ قلنا: عمل على يقينه ولكنه تذكر عند قولهما.
فإذا تقرر هذا قال الشافعي رضي الله عنه: إلا أن الحاكم إذا لم يتذكر لا يجوز له أن يبطله، ولا يجوز له أن يحقه، ولكنه يتوقف عنه حتى لو رفع إلى حاكم آخر يمضيه وجوبًا. فإن علم حاكم آخر أنه أنكره فلا ينبغي له أن يقبله، وأراد به أن الحاكم إذا لم يعلم وأنكر أن يكون حكم به ثم رفع إلى غيره لا يجوز له أن أن يمضيه؛ لأنه بالإنكار قد كذب الشاهدين اللذين يشهدان [١٧٥/ ب] بحكمه.
ومن أصحابنا من قال: إذا شهد عند الثاني شاهدان أن الأول توقف على الحكم لم يجز للثاني أن يحكم به؛ لأنه يمضي حكمه على حكم الأول، فهو فرع له، فإذا ثبت أن الأصل توقف فيه لم يجز للفرع أن ينفذ، كما لو شهد شهود الفرع عند الحاكم ثم قامت البينة أن شاهدي الأصل توقفا عن الشهادة لا يحكم بشهادة شهود الفرع، فأما إذا توقف نفذه الثاني، ولهذا قال الشافعي -رضي الله عنه-: الأول لا يبطله ولا يحقه حتى يجوز له من بعده تنفيذه، وهكذا ذكر القفال رحمه الله من غير شبهةٍ، وقيل: فيه وجهان.
وقال أبو بكر الأزدي: لا يحكم به الثاني؛ لأن توقفه أورث تهمةً وشبهةً، وهذا أيضًا غلط لما ذكرنا من النص. وقال بعض أصحابنا: وهكذا رواية الإخبار لا تجوز عندنا بأن يرى سماعه في كتابٍ من كتب الحديث ما لم يحفظه على وجهه من يوم سمعه إلى يوم رواه. وإن كان نسي فالآن يتذكر بالحديث على وجهٍ فيروى. ومعنى قولنا:"يحفظ على الوجه" أي الألفاظ التي يختلف الحكم باختلافها، فأما إذا روى له إنك رويت لنا كذا عن فلانٍ، فإن له أن يروي ذلك، كما كان سهيل بن أبي صالح يقول: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عني عن أبي هريرة؛ لأنه كان يروي لربيعه حديثًا ثم نسيه، فرواه له ربيعة عن نفسه.
وفي الحقيقة لا فرق بين المسألتين لأن وزان هذا أن يقول الحاكم: قد شهد فلان عندي أني حكمت بكذا فلا يضر أن يقبل ويكتب السجل هكذا، وإنما لا يجوز أن يسمع مثل هذه الشهادة، ثم يقول: حكمت على فلان بكذا، أو يمضي الحكم الأول فيأخذ به الحق.
وقال بعض أصحابنا في [١٧٦/ أ] الأخبار: إن غاب عنه كتاب الحديث لا يجوز له أن يروي بحفظه لاحتمال أنه زيد فيه، وإن لم يغب عنه ذلك جاز أن يوريه بخطه وإن كان لا يتذكر بخلاف الشهادة؛ لأنه يشترط في الشهادة ويشدد فيها ما لا يشترط في الرواية ولا يشدد، ألا ترى أنه يقول: حدثنا فلان عن فلانٍ، ولو قال: حدثني فلان عن فلانٍ أنه يشهد لم يقبل.