وهذا لا يصح؛ لأن الحكم أقوى من الشهادة؛ [١٧٤/ ب] لأن الشاهد يخبر والحاكم يلزم، ثم لا يجوز للشاهد أن يشهد لوجود خطة إذا لم يكن ذاكرًا له فالحاكم أولى.
قالوا: إذا كان في قمطرة وتحت ختمه لا يحتمل إلا أن يكون صحيحًا، قلنا: يجوز أن يزور على خطه وختمه، والخط يشبه الخط. وذكر القفال عن أبي يوسف: أن له أن يشهد على الخط أيضًا وفيه نظر. فإن قيل: أليس قلتم إذا وجد بخط أبيه دينًا على رجل في دفتر حسابه له أن يدعيه ويحلف عليه فما الفرق؟ قلنا: قال أصحابنا: يراعى الاحتياط في الحكم والشهادة، فلا يحكم فيهما إلا بالعلم، وفي المعاملة يكفي عليه الظن، ولهذا يقبل خبر الواحد فيها وهذا ضعيف؛ لأن الحاكم يحكم بشهادة شاهدين ويمين المدعي عند الرد، وإن كان قبلنا ذلك. والأولى أن يقال: إذا أمكنه الرجوع فيما حكم به إلى ذكر نفسه؛ لأنه فعل نفسه فروعي فيه ذلك، وأما ما كتبه أبوه فلا يمكن الرجوع فيه إلى اليقين، فيكفي فيه غلبة الظن، وكذلك إذا وجد الإنسان بخط نفسه حقًا على الرجل فلا يطالب به ولا يحلف عليه إلا أن ينفيه.
اعلم أنه إذا ادعى رجل على رجلٍ حقًا عند الحاكم وادعى أنه أقر به عنده نظر، فإن كان له بينة تشهد أنه أقر له عنده حكم به عليه وإن لم يذكره؛ لأن البينة لو شهدت بإقراره مطلقًا في غير مجلس الحكم حكم بها فههنا أولى أن يحكم بها، وإن لم يكن له بينة فذكر الحاكم أنه أقر له به عنده فهل يحكم بعلمه؟ قولان على ما سنذكره، وإن ذكر المدعي أنه حكم له بالحق عليه حاكم غيره، فإن أقام بينةً [٧٥/ أ] على ذلك ألزمه الحاكم الحق وأنفذ الحكم، وإن لم يكن له بينة وادعى على الحاكم والحاكم لا يعلم ذلك هل يحكم بعلمه؟ فعلى ما ذكرنا من القولين، وإن ادعى أنك أيها الحاكم حكمت لي عليه بهذا الحق نظر، فإن تذكره ألزمه إياه وإلا يكون هذا حكمًا بالعلم، وإنما هو إمضاء ما حكم به، وإن لم يذكره القاضي فشهد عنده شاهدان على حكمه لم تقبل الشهادة على فعل نفسه، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف.
وقال ابن أبي ليلى، ومحمد، وأحمد؛ يقبل؛ لأنهما لو شهدا عنده أن غيره حكم به يقبل، فكذلك إذا شهدا عنده بحكمه وجب أن يحكم لأنهما شهدا بحكم حاكم وهذا لا يصح؛ لأنه يمكنه الرجوع إلى الاحتياط والعلم في نفسه فلا يرجع إلى الظن، كالشاهد إذا نسي شهادته فشهد عنده شاهدان أنه شهد بذلك لم يكن له أن يشهد، ويخالف حكم غيره؛ لأنه لا يمكنه أن يرجع إلى العلم واليقين فيه، ولهذا نقول: من شك في صلاته فلم يدر أثلاثًا صلى أم أربعًا يبني على الأقل؛ لأنه اليقين، ولا يعمل على قول المأمومين. فإن قيل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خبر ذي اليدين حين سلم