وفي محضر التحليف يكتب: وذلك في مجلس الحكم؛ لأن الاستحلاف لا يكون إلا في مجلس الحكم، وكذلك في الحكم بالنكول ورد اليمين، وفي السجل بالحكم بالحق لا يحتاج أن يذكر محضرًا من المدعى عليه؛ لأن القضاء على الغائب جائز، فإذا أراد أن يذكره احتياطيًا قال بعد أن حضره فأساغ له الدعوى عليه.
وقال في "الحاوي" في هذا الفصل: اعلم أن القضاء هو الفصل لانقضاء التنازع، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] الآية، والذي يجب على القاضي في نظره ثلاثة أمورٍ: أحدها: فصل التنازع بين الخصوم.
والثاني: التوثقة فيما ثبت عنده من الحقوق. والثالث: حفظ ما حصل عنده من الحجج والوثائق. أما الأول فله حالتان: إحداهما: أن يكون الحكم فيه واضحًا فيعجل فصله في الوقت المألوف من زمان نظره، ولا يلزمه في الليل وأوقات [١٧٤/ أ] الاستراحة، ولا يجوز له مع المكنة أن يؤخره، فإن أخره أثم إلا أن يحلله الخصوم، فإن اتفق الخصمان على تأخيره لم يكن له تعجيله، وإن دعا أحدهما إلى التعجيل عجل.
والثانية: أن يكون الحكم فيه مشتبهًا فهو على ضربين: أحدهما: أن يكون الاشتباه لاختلاط الدعوى فينبغي أن يأخذها بكشف المشتبه ولا يعجل في الفصل والأمر في كشفه موقوف عليهما، فإذا كشفاه فصل.
والثاني: أن يكون الاشتباك لإشكال الحكم على القاضي لاحتماله عنده، فينبغي أن يقف الحكم على اجتهاده فيه ومشاورته الفقهاء في وجه صوابه، ولا يعجل بفصله مع الاشتباه، وإذا بان اجتهاده لا يؤخره.
وأما الثاني: وهو التوثقة فلا يخلو ثبوت الحق عنده من أحد ثلاثة أضربٍ:
أحدها: أن يثبت بإقرار المدعى عليه، فإذا سأله أن يشهد على نفسه بما ثبت عنده يلزمه. والثاني: أن يثبت باليمين مع النكول فيلزمه الإشهاد أيضًا، وإن سأل كتب المحضر فقد ذكرناه. والثالث: أن يثبت بالبينة، فإن سأل الإشهاد فقد ذكرنا وجهين.
وأما الثالث: فقد ذكرنا كيف يحفظ المحاضر والسجلات.
مسألة: قَالَ: "وَلَا يَقْبَلُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِمَّا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ إِلَّا مَا حَفِظَهُ".
الفصل
جملة هذا: أنه إذا تقدم اثنان إلى الحاكم وادعى أحدهما على الآخر حقًا فأنكر فادعى المدعي أن له حجة في ديوان القاضي، فالقاضي يخرج ذلك، فإن لم يذكره ولا شهد عنده به شهود ولكنه وجد عليه خطه وختمه لا يجوز له أن يحكم به، وبه قال أبو حنيفة، ومحمد، وأحمد في رواية.
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: يجوز له أن يحكم به وهو رواية أخرى عن أحمد،