ثم رجع الشافعي إلى جواب ذلك السؤال (ق ٢٢ أ) قال: "وقد يكون الاستبراء وتلد منه فلا معنى له ما كان الفراش قائمًا" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش" فلا ينتفي إلا بلعان.
مسألة:
قال:"ولو زنت بعد القذف أو وطئت وطئًا حرامًا فلا حد عليه ولا لعان".
إذا قذف زوجته أو غيرها من الأجانب فلم يحد القاذف حتى زنى المقذوف وثبت ذلك باعترافها أو بالبينة سقط الحد عن القاذف؛ لأن زنيها يدل على صدقه، وبه قال أبو حنيفة، ومالك وقال أحمد، وأبو ثور والمزني وداود: لا يسقط، واحتجوا بأنه معنى طرأ بعد وجوب الحد فلا يمنع من إقامته كردة المقذوف.
واحتج المزني فقال: كيف يكون هذا الزني دليلاً على صدقه والوقت الذي رماها قد كانت في الحكم غير زانية أصلاً. وقوله:"إنه إنما ينظر إلى حال من تكلم بالرمي" وهي من ذلك الوقت في حكم من لم يزن قط، وهذا غلط لأن إحصان المقذوف شرط في وجوب الحد على القاذف، والإحصان طريقه غلبة الظن والاجتهاد دون القطع واليقين، والزنى، مما يستسر به فلما ظهر منه ذلك قدح ذلك في ظاهر إحصانه، ويدل ذلك على خبث سريرته وارتكاب أمثاله. وهذا كما لو شهد شاهدان ظاهرهما العدالة ثم ظهر منهما فسق قبل الحكم لم يجز أن يحكم به، وقدح ذلك في ظاهر عدالتهما حين شهدا به، كذلك ههنا. وروي أن رجلاً زني بامرأة في زمان عمر - رضي الله عنه - فقال: والله ما زنيت إلا هذه المرة، فقال له عمر: كذبت فإن الله تعالى: لا يفضح عبدًا في أور مرة. فإن قيل: العدالة في الشهادة آكد من الإحصان في الحد، لأن العدالة لا يكتفي الظاهر منها حتى يجب على الحاكم البحث (ق ٢٢ ب) والسؤال عنها، وليس كذلك الإحصان فإنه يجوز لها أن تكتفي بالظاهر منه ولا يجب عليه أن يبحث عنه.
قيل: اختلف أصحابنا في هذا، قال أبو إسحاق: يجب على الحاكم أن يبحث عن إحصان المقذوف قبل إقامة الحد على القاذف، كما أنه يجوز السؤال عن عدالة الشهود أيضًا؛ لأن ظهره حمي فلا يستباح بالاحتمال.
وقال غيره: لا يجب هذا السؤال ههنا وتكتفي بظاهر إحصانه، والفرق أن طلب زنى المقذوف والبحث عنه يؤدي إلى هتك ستره والكشف عما أمر بستره، وليس كذلك السؤال عن العدالة؛ لأنه ليس فيه هذا المعنى. وقيل: القاذف لما أتى بما منع منه صار عاصيًا به، فغلظ عليه بإقامة الحد بظاهر الإحصان ولم يحصل من الشهود عليه عصيان يوجب التغليظ عليه بترك السؤال عن باطن عدالة الشهود الذين شهدوا عليه والاقتصار