والثاني: لا يدخل، لأن حقوق الآدميين لا تتداخل فيقام عليه التعزيز، ثم الحد. وإن كانتا مقيدتين لا يخلو إما إن تكونا مقيدتين بوقت واحد، مثل إن شهدت إحداهما أنه قذفها مع الزوال أول رمضان وكانت كبيرة، وقالت الأخرى: قذفها في هذا الوقت وهي صغيرة، أو اتفق الزوج والزوجة أن القذف واحد، فقد تعارضت البينتان؛ لأن الجمع بينهما لا يمكن، وفي البينتين المتعارضتين قولان:
أحدهما: تسقطان.
والثاني: تستعملان، وإذا قلنا تستعملان فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: توقفان.
والثاني: يقرع بينهما.
والثالث: يقسم. فحصل أربعة أقوال ويجئ في هذا الموضوع الأقاويل الثلاثة ولا يجئ قول القسمة، فإن قلنا: يوقفان، لم يحكم عليه بشيء ههنا، وإن قلنا: يقرع فمن خرجت القرعة علي بينته حكم بها، فإن خرجت القرعة علي بينتها حُدَّ الزوج، وهل تحتاج المرأة أن تحلف مع القرعة؟ قولان مبنيان علي القولين في القرعة هل دخلت مرجحة للدعوي أو للبينة؟ فإن قلنا: ترجح الدعوي يحلف، وإن قلنا: ترجح البينة لا يحلف. وإن خرجته القرعة علي بينته سقط الحدّ وعزر، وهل يحتاج أن يحلف مع القرعة؟ قولان. وإذا قلنا: يسقطان وهو الأظهر، وبه أجاب الشافعي ههنا فيصبر كأن البينين لم يكون، ويكون القول قوله مع يمينه أنه قذفها صغيرة.
وقال أصحابنا: لا يجئ قول الوقف [ق ٣٢ ب] ههنا، لأن فيه تعطيل حكم القذف. ذكره أبو حامد وجماعة، ثم قال الشافعي: فهي متضادة فلا حدّ ولا لعان، أما الحد فسقط، وأما اللعان قال أصحابنا: له أن يلاعن لإسقاط التعزيز عن نفسه، وتأولوا قول:"ولا لعان" أي لا عان لإسقاط الحد، لأن الحد إذا لم يجب لم يحتج إلي اللعان لإسقاطه.
ومن أصحابنا من قال: لا يلاعن، لأن الحدّ لا يجب عليه وإنما التعزيز فهي لا تطالب به لدعواها الحد فلا يلاعن.
ومن أصحابنا من قال: معناه إذا كانت صغيرة لا يجامع مثلها لا تلاعن للتعزيز علي ما تقدم بيانه، قال القفال: ولو أشارت البينتان إلي وقت واحد، وقالت إحداهما أنها كانت حاضت قبل ذلك فبلغت بها، وقالت الأخرى لم تحض فبينة البلوغ أولي؛ لأن معها زيادة علم ولا تُقبل البينة علب النفي وهذا وضح لا إشكال فيه.