للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل على أن البذيئة إذا خرجت من بيت زوجها للبذاءة [ق ٨٥ ب] لا يجوز أن تكون بسببه تعتد حيث تشاء ولكن الحاكم يحضها بالاجتهاد وعند من يرى، كما حصَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس.

ثم اعلم أن الشافعي ذكر أولًا هذه الآية وهي واردة في المطلقات، ثم ذكر خبر فريعة في المتوفي عنها زوجها، ثم قال: "فدلت الآية على سكنى الطلاق، ودلت السنة على سكنى الوفاة".

وتمام خبر فريعة ما روي عن زينب بنت كعب عن فريعة بنت مالك -أخت أبي سعيد الخدري- قالت: خرج زوجي في طلب أعبد له أبقوا، فأدركهم بطرف القدوم فقتلوه، فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أتاني نعي زوجي وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي ولم يدع لي نفقة ولا مالًا، وليس له مسكن لي، فلو تحولت إلى إخوتي وأهلي كان أرفق لي في بعض شأني، فقال: "تحول"، فلما خرجت إلى المسجد -أو الحجرة- دعاني -أو أمرني- فدعيت له فقال: "امكثي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله"، فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرًا، قالت: فأرسل إليَّ عثمان بن عفان فأتيته فحدثته، فأخذ به.

فمن أصحابنا من قال: نسخ قوله الآخر قوله الأول فحكم لها أولًا بالرجوع إلى بيت أهلها، ثم نسخه بإيجاب السكنى لها في قوله: "امكثي في بيتك" يعني في البيت الذي كنت فيه عند الموت، فأوجب لها السكنى. وهذا دليل على جواز نسخ الشيء قبل أن يُفعل.

ومن أصحابنا من قال: اختار القول الآخر أنه لا سُكنى للمتوفي عنها، وقال: هذا ليس بنسخ، بل صرح أولًا بالحكم أن لا سكنى لها، ثم ندب إلى أن تمكث في بيتها الأول، وندب أهل الميت أن يتركوها في للاعتداد.

فإذا تقرر هذا لا فرق [ق ٨٦ أ] بين أن تكون مسلمة أو ذمية؛ لأن حقوقه الذمية في النكاح كحقوق المسلمة، وأما الأمة فحكمها في العدة حكمها في النكاح لا يلزم سيدها أن يسلمها نهارًا وله حق الاستخدام عليها، فإن رفع السيد استخدامها لم يمنع نهارًا في زمان الاستخدام، ولا سكنى لها؛ لأنه لما لم يمنع مع بقاء النكاح منها فلأن لا يمنع زواله أولى. ثم للزوج أن يحضها ليلًا إن شاء، وهل يؤخذ به جبرًا؟ وجهان. فإن قيل: فإذا كان له ذلك فقد صارت السكنى واجبة، والسكنى الواجبة في العدة لا تسقط بتراضيهما. قلنا: ليست بواجبة على الزوج وإنما له حق متعلق باستبرائها وحفظها، فلهذا كان له إسكانها ليلًا والسكنى الواجبة لا تسقط بالإسقاط وههنا لم تجب أصلًا فلا يقال سقط.

واعلم أن في بعض نسخ المزني: "ولأهل الذمة أن ينقلوها من مسكن زوجها" وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>