يحب على المعتدة أن تسكن في الموضع الذي كانت تسكنه قبل الطلاق لقوله تعالى:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}[الطلاق: ١]، والمراد بإضافة البيوت إليهن السُّكنى دون الملك، بدليل أنه خص المطلقة بذلك، وإذا كان البيت لها لم تختص المطلقة بتحريم إخراجها، وبدليل أنه قال:{إِلاَّ أَن يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}[الطلاق: ١] ولو أراد ملكها لم تخرج بالفاحشة.
فإذا ثبت هذا لا يجوز له أن ينقلها عنه ولا يجوز أن تنتقل منه لظاهر الآية؛ لأن هذه السكنى تجب للعدة، والعدة [ق ٨٦ ب] حق الله تعالى فلم يجز لهما التراضي على إبطال حق الله تعالى، ويجوز النقل والانتقال في ثلاثة أحوالٍ:
أحدها: أن يكون المنزل عارية فيرجع المعير في العارية، أو كان بكراء فانقضت مدة الإجارة وطالب صاحبه بالانتقال.
والثانية: أن يكون المنزل للزوج ولكنه انهدم أو خيف انهدامه وهو غير حصين، أو جيرانها فسقة فيخاف عليها.
والثالثة: أن تأتي بفاحشةٍ مبينةٍ، وذلك عند الشافعي ما ذكره ابن عباس من البذاءة، على أهل زوجها.
فإن قيل: حقيقة الفاحشة الزنى لقوله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ}[النساء: ٢٥]، وأراد به الزنى قيل: الفاحشة اسم الزنى وللأقوال الفاحشة، ولهذا يقال: أفحش فلان في مقالته.
فإذا تقرر هذا وأراد نقلها عند البذاءة على أهل زوجها ينقلها إلى أقرب المنزل إلى منزله الذي طلقها فيه، كما إذا عدم الفقراء في بلد المالي ينقل الصدقة إلى أقرب المواضع من البلد، وإنما يتصور هذا في دارٍ تجمعهم، فإن كانت دارًا لا تسعهم يلزمهم أن ينتقلوا دونها، فإن انتقلوا عنها فبذأت بلسانها عليهم لم تنقل؛ لأن ذلك يمكنها في كل موضع تنتقل إليه، وتُنهى عن ذلك وتعزر، فإن بذت أحماؤها عليها ولم يكن من جهة شرٍّ نقلوا ولم تنتقل هي؛ لأن سكناها مستحقة لها، ولم يكن منها ما يفتح نقلها منه، وإن كانت في منزل أبويها فبذت عليها أو بذا أبويها عليها، ولم ينقل واحدٌ منهم؛ لأن الشر يطول منهم كما يطول منها ومن أحمائها، وإن كانت معها في بيت أبويها أحماءها فبذت